أدب الرسل مع الله عزوجل.
قال المسيح عليه السلام:{إن كنت قلته فقد علمته}[المائدة:116].
ولم يقل :لم أقله، وفرق بين الجوابين في حقيقة الأدب، ثم أحال الأمر على علمه سبحانه بالحال وسره،
فقال:{تعلم مافي نفسي}[المائدة:116].
ثم برأ نفسه عن علمه بغيب ربه ومايختص به.
فقال :{ولا أعلم مافي نفسك}[المائدة:116].
ثم أثنى على ربه ووصفه بتفرده بعلم الغيوب كلهافقال:{إنك أنت علام الغيوب}[المائدة116].
ثم نفى أن يكون قال لهم غير ما أمره ربه به..وهو محض التوحيد
فقال:{ماقلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم}[المائدة:117].
ثم أخبر عن شهادته عليهم مدة مقامه فيهم، وأنه بعد وفاته لا اطلاع له عليهم، وأن الله عزوجل وحده المنفرد بعد الوفاة بالاطلاع عليهم، فقال :{وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم}[المائدة:117].
ثم وصفه بأن شهادته سبحانه فوق كل شهادة وأعم ، فقال:{وأنت على كل شئ شهيد}[المائدة:117].
ثم قال:{إن تعذبهم فإنهم عبادك}[المائدة118]. وهذا من أبلغ الأدب مع الله في مثل هذا المقام ،
أي شأن السيد رحمة عبيده والإحسان إليهم ،
وهؤلاء عبيدك ليسوا عبيد غيرك ، فإن عذبتهم -مع كونهم عبيدك-فلولا أنهم عبيد سوء لم تعذبهم .
ثم قال :{وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}[المائدة:118].
ولم يقل (الغفور الرحيم) وهذا من أبلغ الأدب مع الله تعالى،
فإنه قاله في وقت غضب الرب عليهم ، فليس مقام استعطاف ولا شفاعة ، بل مقام براءة منهم ،
فلو قال :فلو قال :فإنك أنت الغفور الرحيم ))
لأشعر باستعطافه على أعدائه الذين قد اشتد غضبه عليهم .فالمقام مقام موافقة.
ومن أدب إبراهيم عليه السلام قوله:
{الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين}[الشعراء:78، 80].
وقول الخضر -:{فأردت أن أعيبها}[الكهف:79].
ولم يقل: (فأراد ربك أن أعيبها))وقال في الغلامين:{فأراد ربك أن يبلغا أشدهما}[الكهف:82].
وقول موسى -عليه السلام-:{إني لما أنزلت إلى من خير فقير}[القصص:24].ولم يقل
أطعمني)).
و قول آدم:{ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}[الأعراف:23].
ولم يقل ((رب قدرت علي وقضيت علي)).
وغيرها كثير ولم يكن كمال الأدب مع الله إلا للرسل والأ·نبياء-صلوات الله وسلامه عليهم-
..مدارج السالكين
ج3 (2344، 2349)
المفضلات