مشاهد أذى الخلق
1.القدر: أن تعلم أن ماجرى عليك: بمشيئة الله وقضائه وقدره،
كالتأذي بالحر والبرد، والمرض واﻷلم وهبوب الرياح وانقطاع اﻷمطار،
فما شاء الله كان ووجب وجوده، وما لم يشأ لم يكن، وامتنع وجوده، وإذا شهد هذا استراح.
2.الصبر: فيشهده ويشهد وجوبه، وحسن عاقبته، وجزاء أهله،
وما يترتب عليه من الغبطة والسرور، ويخلصه من ندامة المقابلة والانتقام، فما انتقم أحد لنفسه قط إلا أعقبه ذلك ندامة.
3.العفو والصفح والحلم: فإنه متى شهد ذلك وفضله وحلاوته وعزته:
لم يعدل عنه إلا لغبش في بصيرته، فإنه(( ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا)).
كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلم بالتجربة، والوجود وما انتقم أحد لنفسه إلا ذل.
وفي الصفح والحلم والعفو: من الحلاوة والطمأنينية والسكينة، وشرف النفس،
وعزتها ورفعتها عن تشفيها بالانتقام: ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام.
4.الرضى وهو فوق العفو والصفح ولا يكون إلا للنفوس المطمئنة ،
لا سيما إن كان ما أصيب به سببه القيام لله. وفي مرضاته ومحبته:
رضيت بما نالها في الله، وهذا شأن كل محب صادق
.ومتى تشكى وتسخط كان دليلا على كذبه.
من أجلك جعلت خدي أرضا......للشامت والحسود حتى ترضى.
5.اﻹحسان: وهو أن يقابل إساءة المسيء إليه باﻹحسان،
فيحسن إليه كلما أساء.ويهون عليه لعلمه بأنه قد ربح حسناته، و
أهدى إليه حسناته وأثبتها في صحيفته ومحاها عن صحيفة المسيء.
فينبغي أن تحسن إليه وتشكره ﻷنه وهبك حسناته.
ويهون عليك لعلمك بأن الجزاء من جنس العمل فكما تعفو عن من ظلمك،
يعفو عنك الله عزوجل. فهو يقابل إساءتك، بما تقابل به إساءة عبده إليك.
6.السلامة وبرد القلب، وهو أن لايشغل قلبه وسره بما ناله من اﻷذى وطلب الوصول إلى درك ثأره وشفاء نفسه؛
بل يفرغ قلبه من ذلك ويرى أن خلو قلبه منه وسلامته وبرده أنفع له،
وألذ وأطيب، وأعون على مصالحه. فإن القلب متى شغل بشيء فاته ما هو أهم عنده.
وخير له منه. فيمتلئ بالغبن والوسواس .
7.اﻷمن إذا ترك المقابلة والانتقام: أمن ما هو شر من ذلك وإذا انتقم:
واقعه الخوف ﻷنه يزرع العداوة والعاقل لا يأمن عدوه.
ولو كان حقيرا فكم من حقير أردى عدوه الكبير؟.
8.الجهاد: وهو أن يشهد أن أذى الناس له من جهاده في سبيل الله، وأمرهم بالمعروف،
ونهيهم عن المنكر ، وإقامة دين الله وإعلاء كلماته.
لما عزم الصديق على تضمين أهل الردة ما أتلفوه من نفوس وأموال،
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بمشهد من الصحابة -رضي الله عنهم-
((تلك دماء وأموال ذهبت في الله، وأجورها على الله، ولا دية لشهيد))
فأصفق الصحابة على قول عمر ، ووافقه عليه الصديق.
فمن قام لله حتى أوذي في الله حرم عليه الانتقام.
9.أن يشهد نعمة الله عليه في أن جعله مظلوما يترقب النصر، ولم يجعله ظالما يترقب المقت واﻷخذ.
وأن يشهد نعمة الله عليه في التفكير بذلك من خطاياه،
فإنه ما أصاب المؤمن من هم ولاغم ولا أذى إلا كفر الله به من خطاياه .ف
ذلك في الحقيقة دواء يستخرج به داء الخطايا والذنوب.
فأذى الخلق لك كالدواء الكريه من الطبيب المشفق.
ومن المشاهد كون البلية أهون وأسهل من غيرها، فإنه ما من محنة
إلا وفوقها ما هو أقوى منها وأمر، والمصيبة الحقيقية مصيبة الدين.
وفي اﻷثر: أنه يتمنى أناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض،
لما يرونه من ثواب أهل البلاء.
10.مشهد الأسوة، فإن العاقل يرضى ﻷن يكون له أسوة برسل الله وأنبيائه
وأوليائه وخاصته من خلقه،
فإنهم أشد الخلق امتحانا بالناس. وأذى الناس إليهم أسرع.
وقد قال ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما جاء أحد بمثل ماجئت به إلا عودي
وهذا مستمر في ورثته من العلماء والمقربين. راجع كتاب (محن العلماء) ﻷبن عبد البر.
11.مشهد التوحيد: فإذا امتلأ قلبه بمحبة الله، واﻹخلاص له ومعاملته،
وإيثار مرضاته والتقرب إليه، قرت عيناه وابتهج قلبه بحبه واﻷنس به والاطمئنان إليه،
وسكن إليه واشتاق إلى لقائه، واتخذه وليا دون ما سواه، بحيث فوض إليه أموره كلها، ورضي بأقضيته ..
مدارج السالكين
ج3 ( 2222، 2230)
المفضلات