أثر الرياضة وسياسة النفس في تقويم الخلق
ركب اﻹنسان وسائر الحيوان من قوتين :
غضبية، وشهوانية ، وهي اﻹرادة.
وهاتان القوتان هما الحاملتان ﻷخلاق النفس وصفاتها،في جبلة كل حيوان،
فبقوة الشهوة واﻹرادة :يجذب المنافع إلى نفسه ،
وبقوة الغضب:يدفع المضار عنها،فإذا استعمل الشهوة في طلب مايحتاج إليه :تولد منها الحرص.
وإذا استعمل الغضب في دفع المضرة عن نفسه ، تولد منه القوة والغيرة ،
فإذا أعجزه ذلك:أورثه قوة الحقد،
وإن أعجزه وصول مايحتاج إليه ورأى غيره مستبدا به :أورثه الحسد،
وإن ظفر له:أورثه شهوته وإرادته:خلق البخل والشح ،
وإن اشتد حرصه وشهوته على الشيء ولم يمكنه تحصيله إلا بالقوة الغضبية
فاستعملها فيه:فأورثه ذلك العدوان ، والبغي والظلم،
ومنه يتولد الكبرياء والخيلاء والفخر ،
فإنها أخلاق متولدة من قوتي الشهوة والغضب، وتزوج أحدهما بصاحبه.
وهاتان القوتان الغضبيه والشهوانية لايمكن قطعها عن النفس .لهذا لابد من صرفها فيما ينفعها .
فهذه اﻷخلاق ما خلقت سدى ولا عبثا،(رأى النبي صلى الله عليه وسلم:
( أبا دجانة يتبختر بين الصفين،فقال:إنها لمشية يبغضها الله،إلا في مثل هذا الموضع).
فانظر كيف خلى مجرى هذه الصفة وهذا الخلق يجري في أحسن مواضعه.
وصارت الصفة المذمومة عبودية ؟.
وقوله (لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق
ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار).رواه البخاري.
فالحسد مبغوض لذاته ولكن ما يوصل إلى المنافسة التي يحبها الله
ويأمر بها في قوله {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}[ المطففين:26].
فلا تعمل على إعدام هذا الخلق من نفسك بل احرفه إلى الحسد المحمود وهي (الغبطة)
الحامل على المنافسة في الرتب العالية،وتزاحم أهلها بالركب،
لا تتمنى زوال نعمة الله عن عبده،فتزول عنك ويبقيها عليه،وكذلك الحرص،فلن يقطعه .
قال رسول الله صلى الله عليه (احرص على ماينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.
فقوة الحرص لاتذم،وإنما يذم صرفها إلى مايضر العبد لا إلى ما ينفعه.
وهذه قاعدة مطردة في جميع الصفات واﻷخلاق،
فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم جاؤوا بصرفها عن مجاريها المذمومة إلى مجاري محمودة .
وجاؤوا بصرف قوة الغضبية إلى جهاد أعداء الله، والغلظة عليهم والانتقام منهم،
وكذلك جاؤوا بصرف قوة اللهو والركوب ونحوه إلى اللهو والرمي والمسابقة على الخيل
وركوبها في سبيل الله، وشهوة الاستماع للأصوات المطربة بسماع القرآن.
وقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم على أبي موسى اﻷشعري واستمع قراءته،
وقال لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود. وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -يقرأ والصحابه يستمعون.
فأين هذا من سماع المكاء والتصدية وقرآن الشيطان، وآلات المعازف بنغمات الناشد ؟
حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبد ليس يجتمعان.
-----------------------
المكاء :الصفير.
التصدية:التصفيق.
مدارج السالكين
ج3 ( 2298، 2214)
المفضلات