الْسَّلَامُ عَلَيْكُمْ نُقِلَتْ لَكُمْ هَذَا الْمَوْضُوْعِ لِأَنَّهُ أَثَرٌ فِيْ كَثِيْرٍ
وَ أَرْجُوَا أَنْ تَقَرَأَوهُ وَ تَصِفُ شُعُوَرَكُمْ بِهِ
أَيُّ شَخْصٍ كَانَ قَدْ رَآَنِي مُتَسَلِّقَا سُوَرِ الْمَقْبَرَةِ فِيْ هَذِهِ الْسَّاعَةِ مِنَ الْلَّيْلِ كَانَ لَيَقُوْلَ هَذَا الْكَلَامَ
كَانَتْ الْبِدَايَهْ عِنَدَمّا قَرَأْتَ عَنْ سُفْيَانَ الْثَوْرِيِّ رَحِمَهُ الْلَّهُ انَّهُ كَانَ لَدَيْهِ قَبْرَا فِيْ مَنْزِلِهِ
يَرْقَدُّ فِيْهِ وَإِذَا مَا رَقَدْ فِيْهِ نَادَى ..) رَبِّ ارْجِعُوْنِ رَبِّ ارْجِعُوْنِ..( ثُمَّ يَقُوْمُ
مُنْتَفِضَا وَيَقُوْلُ هَا أَنْتَ قَدْ رَجَعَتْ فَمَاذَا أَنْتَ فَاعِلٌ ..
حَدَثٍ أَنَّ فَاتَتْنِي صَلَاةً الْفَجَرْ وَهِيَ صَلَاةُ لَوْ دَأْبِ عَلَيْهَا الْمُسْلِمِ لَأُحِسَّ بِضِيْقَةَ شَدِيْدَهْ عِنَدَمّا
تَفُوْتُهُ طَوَالَ الْيَوْمِ .. ثُمَّ تَكَرَرَ مَعِيَ نَفْسٌ الْأَمْرِ فِيْ الْيَوْمِ الْثَّانِيَ .. فَقُلْتُ لَابُدَّ
وَفِيْ الْأَمْرِ شَئٌ .. ثُمَّ تَكَرَّرَتْ لِلْمَرَّةِ الْثَّالِثَهُ عَلَىَ الْتَّوَّالِيْ ... هُنَا كَانَ لَابُدَّ مِنْ
الْوُقُوْفِ مَعَ الْنَّفْسِ وَقْفَةٌ حَازِمَةً لتَأْدِيبُهَا حَتَّىَ لَا تَرْكَنْ لِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَتَرُوْحُ بِيَ إِلَىَ
الْنَّارِ .. قَرَّرْتُ انْ ادْخُلِ الْقَبْرُ حَتَّىَ أُؤَدِبِهَا ... وَلَابُدَّ أَنْ تَرْتَدِعِ وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ
هَذَا هُوَ مُنَزِّلُهَا وَمَسْكَنُهَا إِلَىَ مَا يَشَاءُ الْلَّهُ ... وَكُلْ يَوْمَ اقُوْلُ لِنَفْسِيْ دَعَ هَذَا
الْأَمْرِ غَدا .. وَجَلَسْتُ اسّوّلَ فِيْ هَذَا الْأَمْرِ حَتَّىَ فَاتَتْنِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مُرَّةَ أُخْرَىَ ..
حِيْنَهَا قُلْتُ كَفَىْ ... وَأَقْسَمْتَ أَنْ يَكُوْنَ الْأَمْرُ هَذِهِ الْلَّيْلَةِ
ذَهَبَتْ بَعْدَ مُنْتَصَفِ الْلَّيْلِ .. حَتَّىَ لَا يَرَانِيَ أَحَدٌ وَتَفَكَّرْتُ .. هَلْ أَدْخُلُ مِنْ الْبَابِ ؟
حِيْنَهَا سَأُوْقِظُ حَارِسَ الْمَقْبَرَةِ ... أَوْ لَعَلَّهُ غَيْرَ مَوْجُوْدٍ ... أَمْ أَتَسُوّرِ الْسُّوْرِ ..
إِنَّ أَيْقَظَتْهُ لَعَلَّهُ يَقُوْلُ لِيَ تَعَالَ فِيْ الْغَدِ.. اوْ حَتَّىَ يَمْنَعُنِيْ وَحِيْنَهَا يُضِيْعُ قَسْمِي
... فَقَرَّرْتُ أَنْ اتَسُوّرِ الْسُّوْرِ .. وَرُفِعَتْ ثَوْبَيْ وَتَلَثَّمَتْ بِوَاسِطَةِ الْشِّمَاغِ وَاسْتَعَنْتُ
بِالْلَّهِ وَصَعِدَتْ بِرَغْمِ أَنَّنِيْ دَخَلَتْ هَذِهِ الْمَقْبَرَةِ كَثِيْرا كُمُشِيعُ ... إِلَا أَنَّنِيْ أَحْسَسْتُ
أَنَّنِيْ أَرَاهَا لِأَوَّلِ مَرَّةٍ .. وَرَغْمَ أَنَّهَا كَانَتْ لَيْلَةُ مُقْمِرَةٍ .. إِلَا أَنَّنِيْ أَكَادُ أُقْسِمُ
أَنَّنِيْ مَا رَأَيْتُ أَشَدَّ مِنْهَا سَوَادا ... تِلْكَ الْلَّيْلَةِ ... كَانَتْ ظُلْمَةٌ حَالِكَةٌ ...
سُكُوْنُ رَهِيْبٌ .. هَذَا هُوَ صَمْتُ الْقُبُوْرِ بِحَقِّ
تَأَمَّلْتُهَا كَثِيْرا مِنْ أَعْلَىَ الْسُّوْرِ .. وَاسْتَنْشَقْتَ هَوَائِهَا.. نَعَمْ إِنَّهَا رَائِحَةُ الْقُبُوْرِ
... أَمَيَّزَهَا عَنْ الْفِ رَائِحَهُ ..رَائِحَةُ الْحَنُوطِ .. رَائِحَةُ بِهَا طَعْمَ الْمَوْتِ الصَّافِيْ
... وَجَلَسْتُ اتْفَكَّرْ لِلَحَظَاتِ مَرَّتْ كَالْسِّنِيْنِ .. إِيْهِ أَيَّتُهَا الْقُبُوْرِ .. مَا أَشَدَّ
صَمْتُكِ .. وَمَا أّشَدُّ مَا تُخْفِيْهِ .. ضَحِكَ وَنَعِيْمٍ .. وَصُرَاخِ وَعَذَابٌ الْيَمِّ ..
مَاذَا سَيَقُوْلُ لِيَ اهْلَكَ لَوْ حَدَّثَتْهُمْ .. لَعَلَّهُمْ سَيَقُوْلُوْنَ قَوْلَةً الْحَبِيْبَ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
( الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )
قَرَّرْتُ أَنْ أَهْبِطَ حَتَّىَ لَا يَرَانِيَ أَحَدٌ فِيْ هَذِهِ الْحَالِهِ .. فَلَوْ رَآَنِي أَحَدٌ فَإِمَّا سَيَقُوْلُ
أَنَّنِيْ مَجْنُوْنْ وَإِمَّا أَنْ يَقُوْلَ لَدَيْهِ مْصِيَبَهُ .. وَأَيُّ مُصِيْبَةٍ بَعْدَ ضَيَاعِ صَلَاةٍ الْفَجْرِ عِدَّةَ
مَرَّاتٍ .. وَهَبَطَتْ دَاخِلَ الْمَقْبَرَهْ .. وَأَحْسَسْتُ حِيْنَهَا بِرَجْفَةِ فِيْ الْقَلْبِ ..
وَالْتَصَقْتَ بِالْجِدَارِ وَلَا أَدْرِيْ لِكَيْ أَحْتَمِيْ مِنْ مَاذَا ؟؟؟ عَلَّلْتَ ذَلِكَ لِنَفْسِيْ بِأَنَّهُ خَشْيَةِ مِنْ
الْمُرُوْرِ فَوْقَ الْقُبُورِ وَانْتِهَاكَهَا ... نَعَمْ أَنَا لَسْتُ جَبَانَا ... أَمْ لَعَلِّيَ شَعَرْتُ
بِالْخَوْفِ حَقّا !!!
نَظَرْتِ إِلَىَ الْنَّاحِيَةِ الْشَّرْقِيَّةُ وَالَّتِي بِهَا الْقُبُوْرِ الْمَفْتُوْحَهُ وَالَّتِي تَنْتَظِرُ سَاكِنِيْهَا ..
إِنَّهَا أَشَدُّ بُقَعَ الْمَقْبَرَةِ سَوَادا وَكَأَنَّهَا تُنَادِيْنِي .. مُشْتَاقَةٌ إِلَيَّ .. وَجَلَسْتُ أَمْشِيَ
مُحَاذِرا بَيْنَ الْقُبُوْرِ .. وَكُلَّمَا تَجَاوَزْتُ قَبْرَا تَسَاءَلْتُ .. أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيْدٌ ؟؟؟ شَقِيٌّ
بِسَبَبِ مَاذَا .. أُضَيِّعُ الصَّلَاةَ .. أُمَّ كَانَ مِنْ اهْلِ الْغِنَاءَ وَالْطَّرَبِ .. أَمْ كَانَ
مِنْ أَهْلِ الْزِّنَى .. لَعَلَّ مَنْ تَجَاوَزَتْ قَبْرِهِ الْآَنَ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ أَشَدَّ أَهْلِ الْأَرْضِ ..
وَأَنْ شَبَابِهِ لَنْ يَفْنَىَ .. وَأَنَّهُ لَنْ يَمُوْتَ كَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ .. أَمْ أَنَّهُ قَالَ مَا زَالَ فِيْ
الْعُمْرِ بَقِيَّةُ .. سُبْحَانَ مَنْ قَهَرَ الْخَلْقِ بِالْمَوْتِ
أَبْصَرَتْ الْمَمَرِّ ... حَتَّىَ إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ وَوُضِعَتْ قَدَمَيْ عَلَيْهِ أَسْرَعَتْ نَبَضَاتُ قَلْبِيْ
فالْقُبُوّرِ يَمِيْنِيْ وَيَسَارِيْ .. وَأَنَا ارْفَعْ نَظَرِيّ إِلَىَ الْنَّاحِيَةِ الْشَّرْقِيَّةُ .. ثُمَّ بَدَأَتُ
أَوْلَىٍ خُطْوَاتِيْ .. بَدَتْ وَكَأَنَّهَا دَهْرِ .. ايْنَ سُرْعَةُ قَدَمَيْ .. مَا أَثْقَلَهُمَا الْآَنَ
... تَمَنَّيْتُ انْ تَطُوْلَ الْمَسَافَةُ وَلَا تَنْتَهِيَ ابَدَا .. لَأَنّنِي أَعْلَمُ مَا يَنْتَظِرُنِيْ هُنَاكَ ..
اعْلَمْ ... فَقَدْ رَأَيْتُهُ كَثِيْرا .. وَلَكِنِ هَذِهِ الْمَرَّةَ مُخْتَلِفَةٍ تَمَامَا أَفْكَارٌ عَجِيْبَةٌ
... بَلْ أَكَادُ اسْمَعْ هَمْهَمَةٌ خَلْفَ أُذْنَيْ .. نَعَمْ ... اسْمَعْ هَمْهَمَةٌ جَلَّيَّةٌ ...
وَكَأَنَّ شَخْصَا يَتَنَفَّسُ خَلْفَ أُذْنَيْ .. خِفْتُ أَنْ أَنْظُرَ خَلْفِيّ .. خِفْتُ أَنْ أَرَىَ أَشْخَاصا
يُلَوِّحُونَ إِلَيَّ مِنْ بَعِيْدٍ .. خَيَالِاتِّ سَوْدَاءُ تَعْجَبْ مِنْ الْقَادِمْ فِيْ هَذَا الْوَقْتِ ...
بِالتَّأْكِيْدِ أَنَّهَا وَسْوَسَةً مَنْ الْشَّيْطَانَ وَلَا يِهِمِّنِي شِئْ طَالَمَا أَنَّنِيْ قَدْ صَلَّيْتُ الْعَشَاءِ فِيْ
جَمَاعَهُ فَلَا يَهُمُّنِيْ أَخِيِرَا أَبْصَرَتْ الْقُبُوْرِ الْمَفْتُوْحَةِ .. اكَادُ اقْسِمْ لِلْمَرَّةِ الْثَّانِيَةِ
أَنَّنِيْ مَا رَأَيْتُ اشَدُّ مِنْهَا سَوَادا .. كَيْفَ أَتَتْنِيَ الْجُرْأَةَ حَتَّىَ اصِلَ بِخَطَوَاتِيِ إِلَىَ هُنَا
؟؟؟.. بَلْ كَيْفَ سَأُنْزِلُ فِيْ هَذَا الْقَبْرِ ؟؟؟ وَأَيُّ شَئٍ يَنْتَظِرُنِيْ فِيْ الْأَسْفَلِ .. فَكَّرْتُ
بِالإِكْتِفَاءً بِالْوُقُوْفِ .. وَأَنْ اصَوْمْ ثَلَاثَةٌ ايَّامٍ .. وَلَكِنْ لَا .. لَنْ اصِلَ الَىَّ
هُنَا ثُمَّ اقِفُ .. يَجِبُ انْ اكْمَلَ .. وَلَكِنْ لَنْ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مُبَاشَرَةً ... بَلْ سَأُجْلِسُ
خَارِجَهُ قَلِيْلا حَتَّىَ تَأْنَسُ نَفْسِيْ
مَا أَشَدَّ ظُلْمَتِهِ .. وَمَا أَشَدَّ ضِيْقِهِ .. كَيْفَ لِهَذِهِ الْحُفْرَةُ الْصَّغِيْرَةُ أَنْ تَكُوْنَ حُفْرَةٍ
مِنْ حُفَرِ الْنَّارِ أَوْ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ .. سُبْحَانَ الْلَّهِ .. يَبْدُوَا أَنَّ الْجَوُّ قَدْ
ازْدَادَ بُرُوْدَةُ .. أَمْ هِيَ قُشَعْرِيْرَةُ فِيْ جَسَدِيْ مِنْ هَذَا الْمَنْظَرِ.. هَلْ هَذَا صَوْتُ الْرِّيْحِ
... لَا أَرَىَ ذَرَّةٍ غُبَارٌ فِيْ الْهَوَاءِ !!! هَلْ هِيَ وَسْوَسَةً أُخْرَىَ ؟؟؟ اسْتَعَذْتُ بِالْلَّهِ مِنْ
الْشَّيْطَانِ الْرَّجِيْمِ .. لَيْسَ رِيْحا .. ثُمَّ انْزَلْتَ الْشِّمَاغِ وَوَضَعَتْهُ عَلَىَ الْأَرْضِ ثُمَّ جَلَسْتُ
وَقَدْ ضَمَمْتَ رُكْبَتِيْ امَامٍ صَدْرِيْ اتَّأَمُّلُ هَذَا الْمَشْهَدِ الْعَجِيْبِ إِنَّهُ الْمَكَانُ الَّذِيْ لَا مَفَرّ مِنْهُ
ابَدَا .. سُبْحَانَ الْلَّهِ .. نَسْعَىْ لِكَيْ نُحَصِّلُ عَلَىَ كُلِّ شَئٍ .. وَهَذِهِ هِيَ الْنِّهَايَةُ
... لَا شَئْ
كَمْ تَنَازَعْنَا فِيْ الْدُّنْيَا .. اغْتَبَّنا .. تَرَكْنَا الصَّلَاةَ .. آَثَرْنَا الْغِنَاءَ عَلَىَ
الْقُرْآَنَ .. وَالْكَارِثَةُ انَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ هَذَا مَصِيْرَنَا .. وَقَدْ حَذَّرَنَا الْلَّهِ وَرَغِمَ ذَلِكَ
نَتَجَاهَلَ .. ثُمَّ أَشَحْتُ وَجْهِيَ نَاحِيَةٍ الْقُبُوْرِ وَنادِيْتِهُمْ بِصَوْتٍ خَافِتٍ... وَكَأَنِّيْ خِفْتُ أَنْ
يُرِدْ عَلَيْ أَحَدِهِمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ .. مَا لَكُمْ .. أَيْنَ أَصْوَاتَكُمْ .. أَيْنَ أَبْنَاؤُكُمْ
عَنْكُمْ الْيَوْمَ .. أَيْنَ أَمْوَالِكُمْ .. أَيْنَ وَأَيْنَ .. كَيْفَ هُوَ الْحِسَابُ ..
اخْبِرُوْنِيّ عَنْ ضَمَّةٍ الْقَبْرِ .. أَتَكَسَّرُ الْأَضْلاعِ .. أَخْبِرُوْنِيْ عَنْ نَاكِرٌ وَنَكِيْرٍ ..
أَخْبِرُوْنِيْ عَنْ حَالُكُمْ مَعَ الدُّوْدُ .. سُبْحَانَ الْلَّهِ .. نَسْتَاءَ إِذَا قُدِّمَ لَنَا أَهْلَنَا
طَعَامٌ بَارِدٌ اوْ لَا يُوَافِقُ شَهِيَّتَنَا .. وَالْيَوْمِ نَحْنُ الْطَّعَامَ .. لَابُدَّ مِنَ الْنُّزُوْلِ إِلَىَ
الْقَبْرِ
قُمْتُ وَتَوَكَّلْتُ عَلَىَ الْلَّهِ وَنَزَلَتْ بِرِجْلِيَ الْيَمِيْنِ وَافْتَرَشْتَ شَمَاغِيَ وَوُضِعَتْ رَأْسِيٌّ .. وَأَنَا
أُفَكِّرُ .. مَاذَا لَوْ انْهَالَ عَلَيَّ الْتُّرَابَ فَجْأَةً .. مَاذَا لَوْ ضَمَّ الْقَبْرُ عَلَيَّ مَرَّةً
وَاحِدَهْ ... ثُمَّ نِمْتُ عَلَىَ ظَهْرِيْ وَأُغْلِقَتْ عَيْنَيِ حَتَّىَ تَهْدَأْ ضَرَبَاتٍ قَلْبِيْ ... حَتَّىَ تَخَفْ
هَذِهِ الْرَّجْفَةُ الَّتِيْ فِيْ الْجَسَدِ ... مَا أَشَدَّهُ مِنْ مَوْقِفِ وَأَنَا حَيٌّ .. فَكَيْفَ سَيَكُوْنُ عِنْدَ
الْمَوْتِ ؟؟؟
فَكَّرْتُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَىَ الْلَّحْدِ .. هُوَ بِجَانِبِيْ ... وَالْلَّهُ لَا أَعْلَمُ شَيْئا أَشَدَّ مِنْهُ
ظُلْمِهِ .. وَيَا لَلْعَجَبُ .. رَغِمَ أَنَّهُ مَسْدُودٌ مِنَ الْدَّاخِلِ إِلَا أَنَّنِيْ أَشْعَرُ بِتَيَّارِ مِنْ
الْهَوَاءِ الْبَارِدِ يَأْتِيَ مِنْهُ .. فَهَلْ هُوَ هَوَاء بَارِدٌ أَمْ هِيَ بُرُوْدَةُ الْخَوْفِ خِفْتُ أَنْ انْظُرَ
الَيْهِ فَأَرَىَ عَيْنَانِ تَلْمَعَانِ فِيْ الْظَّلامِ وَتَنْظُرَانِ الَىَّ بِقَسْوَةٍ .. أَوْ أَنْ أَرَىَ وُجُها
شَاحِبَا لِرَجُلٍ تَكْسُوُه عَلَامَاتِ الْمَوْتِ نَاظِرَا إِلَىَ الْأَعْلَىَ مُتَجاهَلْنِيّ تَمَامَا .. اوْ كَمَا
سُمِعَتْ مِنْ شَيْخٍ دُفِنَ الْعَدِيْدُ مِنَ الْمَوْتَىَ أَنَّهُ رَأَىَ رَجُلا جَحَظَتْ عَيْنَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَىَ الْخَارِجِ
وَسَالَ الْدَّمُ مِنْ أَنْفِهِ .. وَكَأَنَّهُ ضَرَبَ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيْدٍ لَوْ نَزَلَتْ عَلَىَ جَبَلٍ لدَكَتِهُ لِتَرْكِهِ
الصَّلَاةَ ... وَمَازَالَ يَحْلُمُ بِهَذَا الْمَنْظَرِ كُلُّ يَوْمَ .. حِيْنَهَا قَرَّرْتُ أَنْ لَا أَنْظُرُ إِلَىَ
الْلَّحْدِ .. لَيْسَ بِيَ مِنْ الْشَّجَاعَهْ أَنْ أُخاطرَ وَأَرَىْ أَيّا مِنْ هَذِهِ الْمَنَاظِرِ .. رَغْمَ
عِلْمِيّ أَنْ الْلَّحْدِ خَالِيا .. وَلَكِنَّ تَكْفِيْ هَذِهِ الْأَفْكَارِ حَتَّىَ أَمْتَنِعُ تَمَامَا وَإِنْ كُنْتَ جَلَسَتْ
انْظُرْ إِلَيْهِ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ كُلَّ لَحْظَةٍ ثُمَّ تَذَكَّرْتُ قَوْلَ رَسُوْلِ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَا إِلَهَ إِلَّا الْلَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ
تَخَيَّلْتُ جَسَدِيْ يَرْتَجِفُ بِقُوَّهْ وَانَا ارْفَعْ يَدَيْ مُحَاوِلَا إِرْجَاعِ رُوْحِيْ وَصُرَاخِ أَهْلِيْ مِنْ حَوْلِيْ
عَالِيا أَيْنَ الْطَّبِيْبُ أَيْنَ الْطَّبِيْبُ
( فَلَوْلَا إِنَّ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِيْنِيِّنَ تَرْجِعُوْنَهَا إِنَّ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )
تَخَيَّلْتُ الْأَصْحَابِ يَحْمِلُونَنِيّ وَيَقُوْلُوْنَ لَا إِلَهَ إِلَّا الْلَّهُ ... تَخَيَلْتِهُمْ يَمْشُوْنَ بِيَ سَرِيْعَا
إِلَىَ الْقَبْرِ وَتَخَيَّلَتٌ صِدِّيْقا ... اعْلَمُ انَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَكُوْنَ أَوَّلَ مَنْ يَنْزِلُ إِلَىَ الْقَبْرِ ..
تَخَيَّلْتُهُ يَحْمِلُ رَأْسِيٌّ وَيُطَالِبُهُمْ بِالْرِّفْقِ حَتَّىَ لَا أَقَعُ وَيَصْرُخُ فِيْهِمْ .. جَهِّزُوا الْطُّوبِ
... تَخَيَّلْتُ احْمَدُ .. كَعَادَتِهِ يَجْرِيَ مُمْسِكَا إِبْرِيْقا مِنْ الْمَاءِ يُنَاوِلُهُمْ إِيَّاهُ بَعْدَمَا
حَثُّوا عَلَيَّ الْتُّرَابَ .. تَخَيَّلْتُ الْكُلُّ يُرَشُّ الْمَاءُ عَلَىَ قَبْرِيْ .. تَخَيَّلْتُ شَيْخُنَا يَصِيْحُ
فِيْهِمْ ادْعُوَا لِأَخِيكُمْ فَإِنَّهُ الْآَنَ يُسْأَلُ .. أَدْعُوْا لِأَخِيكُمْ فَإِنَّهُ الْآَنَ يُسْأَلُ ثُمَّ رَحَلُوْا
وَتَرَكُوُنِيْ
وَكَأَنَّ مَلَائِكَةً الْعَذَابِ حِيْنَ رَأَوْا الْنَّعْشَ قَادِمَا قَدْ ظَهَرُوْا بِأَصْوَاتٍ مُفْزِعَةً .. وَأَشْكَالِ
مُخِيْفَةٌ .. لَا مَفَرَّ مِنْهُمْ يُنَادَوْنَ بَعْضُهُمْ الْبَعْضِ .. أَهُوَ الْعَبْدُ الْعَاصِيْ ؟؟؟ فَيَقُوْلُ
الْآَخِرِ نَعَمْ .. فَيَقُوْلُ .. أمُشِيعُ مَتْرُوْكٌ ... أَمْ مَحْمُوْلٌ لَيْسَ لَهُ مُفَرْ ؟؟؟ فَيَقُوْلُ
الْآَخِرِ بَلْ مَحْمُوْلٌ إِلَيْنَا .. فَيَقُوْلُ هَلُمُّوا إِلَيْهِ حَتَّىَ يَعْلَمَ إِنَّ الْلَّهَ عَزِيْزٌ ذُوْ انْتِقَامٍ
رَأَيْتَهُمْ يُمَسِّكُوْنَ بِكَتِفِي وَيَهُزُونَنِيّ بِعُنْفٍ قَائِلِيْنَ ... مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيْمِ حَتَّىَ تَنَامَ
عَنْ الْفَرِيْضَةٌ .. أَمِثْلُكَ يُعْصَى الْجَبَّارُ وَالْرَّعْدُ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيْفَتِهِ
... لَا نَجَاةَ لَكَ مِنْا الْيَوْمَ ... أَصْرُخُ لَيْسَ لصُرَاخِكِ مُجِيْبَ فَجَلَسْتُ اصْرُخْ رَبِّ ارْجِعُوْنِ
.... رَبِّ ارْجِعُوْنِ ... وَكَأَنِّيْ بِصَوْتٍ يْهِزّ الْقَبْرِ وَالْسَّمَاوَاتُ يَمْلَأُنِي يَئِسَا يَقُوْلُ
( كُلّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُوْنَ )
حَتَّىَ بَكَيْتُ مَاشَاءَ الْلَّهُ انْ ابْكِيَ .. وَقُلْتَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ... مَازَالَ
هُنَاكَ وَقْتٌ لِلْتَّوْبَةِ اسْتَغْفِرُ الْلَّهَ الْعَظِيْمِ وَأَتُوْبُ إِلَيْهِ ثُمَّ قُمْتُ مَكْسُوْرَا ... وَقَدْ عَرَفْتَ
قَدَرِيْ وَبَانَ لِيَ ضَعْفِيْ وَأَخَذَتِ شَمَاغِيَ وَأَزَلْتَ عَنْهُ مَا بَقِىَ مِنَ تُرَابٍ الْقَبْرِ وَعَدْتَ وَأَنَا أَقُوْلُ
سُبْحَانَ مَنْ قَهَرَ الْخَلْقِ بِالْمَوْتِ
خَاتِمَةٌ:
مَنْ ظَنَّ أَنَّ هَذِهِ الْآَيَةَ لَهْوا وَعَبَثَا فَلْيُتْرَكْ صَلَاتَهُ وَ لِيَفْعَلَ مَا يَشَاءُ
( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُوْنَ )
ولِيَلَهُوَ وَلْيُسَوِّفَ فِيْ تَوْبَتِهِ .. فَيَوْمَا قَرِيْبا سَيَقْتَصُّ الْحَقِّ لِنَفْسِهِ
وَوَيْلٌ لِمَنْ كَانَ خَصْمُهُ الْقَهَّارُ وَلَمْ يُبَالِيْ بِتَحْذِيْرِهُ
وَلَمْ يُبَالِيْ بِعُقُوْبَتِهِ .. وَلَمْ يُبَالِيْ بِتَخْويفِهُ
أَسْأَلُكُمْ بِالْلَّهِ . أَيُّ شَجَاعَةٌ فِيْكُمْ حَتَّىَ لَا تُخِيْفَكُمْ هَذِهِ الْآَيَةَ
( وَنُخَوِّفُهُمْ . فَمَا يَزِيْدُهُمْ إِلَا طُغْيَانا كَبِيْرا )
الْلَّهُمَّ أَحْسِنْ خَاتِمَتَنَا جَمِيْعَا وَجَمِيِعِ الْمُسْلِمِيْنَ أَجْمَعِيْنَ فَالَأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيْمِ كَمَا قَالَ الْرَّسُوْلُ صَلَّيْ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَلَا قَدْ بَلَغْتَ .. الْلَّهُمَّ فَاشْهَدْ
(تِلْكَ الْدَّارِ الْاخِرَةِ نَجْعَلُهَا لِلَّذِيْنَ لَا يُرِيْدُوْنَ عُلُوا فِىْ الْارْضِ وَلَا فَسَادا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ)
نَسْئَلَكُمْ الْدُّعَاءِ
رَبِّىَ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَانْتَ خَيْرُ الْرَّاحِمِيْنَ
انْشُرْ تُؤْجَرْ
وَأَبْتَغِيْ الْأَجْرِ مِنَ الْلَّهِ
المفضلات