إذا كان العلم في الصغر كالنقش في الحجر، فإنه في الكبر رسم بالأحلام والإصرار والعزيمة والتحدي .
وإذا كان شباب يئسوا عند أول عقبة واعتبروها نهاية العمر، فإن الوالد راشد محمد علي راشد الزيودي لا يعترف بالشيب، أو على الأقل يقتنع بأن الأحلام لا تشيب وأن على صاحبها أن يرعاها حتى النهاية . لذلك، لا يتردد، حتى بعد تقاعده، في استكمال تعليمه في فصول الكبار فاتحاً صفحة جديدة في كتاب الإرادة . وخوضه امتحانات الصف الثاني عشر هذا العام ليس نهاية المطاف، بل محطة في رحلة مستمرة .
على هامش أحد امتحاناته، تحدث الزيودي مانحاً الشباب و”الشواب” درساً مجانياً في تجدد الأمل والحلم .
كيف كانت قصة عودتك إلى مقاعد الدراسة؟
- بعد تقاعدي من الهيئة الاتحادية للكهرباء والمياه بدبا الفجيرة، عزمت على استثمار طاقاتي التي أملكها في إثراء حياتي بشيء مفيد، لذلك اتجهت إلى مركز تعليم الكبار بدبا الحصن للتعليم ومواصلة الدراسة، فهذا طموحي منذ الصغر لكن ظروفاً صعبة من الناحية الاجتماعية وعملي عطلته .
وتقاعدي سهل لي الالتحاق بالمركز ومواصلة التلعيم لاستثمار وقت الفراغ .
قديماً كان بعض الناس يقولون “بعدما شاب راح الكتاب” ويقصدون بذلك صعوبة العلم في الشيخوخة، فماذا تقول؟
- قد يكون معهم بعض الحق في ذلك، ولكنهم يقصدون أن صحة الإنسان المتقدم في العمر لا تساعده على تحصيل العلم وذلك أيام “الكتاتيب” والدراسة في غياب وسائل مساعدة ومن يشجع الكبار على العلم، كما أنهم كانو يستسلمون لليأس في بعض الأحيان وينسون الحكمة الأخرى القائلة: اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد .
من شجعك على مواصلة الدراسة؟
- تبدأ الشجاعة مع النفس، وبالإرادة الحرة والعزيمة والتصميم، وعندما يراك الآخرون ويلمسون هذه الإرادة يشجعونك أؤ يثبطونك، وكثيرون شجعوني، خاصة الأهل والأصدقاء والأبناء، والأهم الأحفاد، ثم إن الأساتذة بارك الله فيهم، يتعاملون معي كوالدهم بكل احترام وتقدير .
وطبعاً مراكز تعليم الكبار فكرة زايد الخير وترجمة لأفكاره واهتمت بها الدولة، وصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة وإخوانه أصحاب السمو، الحكام، حفظهم الله جميعاً، يحبون العلم ويشجعون الكبار والصغار عليه .
ما طموحاتك بعد العودة إلى مقاعد الدراسة ووصولك للمرحلة الثانوية؟
- هناك حكمة رائعة تقول: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”، ولذلك يرتبط العلم مع الإيمان، وهو بالنسبة إلينا يبدأ بمحو الأمية ثم التعلم، لأن هناك تقنيات حديثة تساعد على ذلك بسرعة ومهارة وإتقان، لذلك، ما أفكر فيه الآن استكمال دراستي وحصولي على مجموع جيد للوصول إلى الجامعة .
لكن الجامعة تحتاج إلى صحة وعافية وصبر .
- علمتنا الأيام الكثير والصحة والعافية من الله، وعلينا أن نحاول ونجتهد، فإذا نجحنا فلحنا، وإذا تعثرنا سنحاول من جديد، ومن سار على الدرب وصل، فالتعلم ينبغي ألا يتوقف عند سن معينة، بل يجب أن يستمر على امتداد رحلة الحياة .
ماشعورك وأنت في هذه المرحلة من التعليم؟
- شعور طيب، لأن كل من حولي الآن أناس طيبون ولأن الكل يقول لي سواء مازحاً أو مشجعاً: لا يتوقف القطار حتى بلوغ الجامعة، وأوافقهم على ذلك، فأنا انخرطت في الدراسة من جديد رغبة في الاستزادة من العلم والتحصيل، وأجد نفسي تغيرت كثيراً في النظرة للحياة، برغم التقدم في العمر .
هل تتعلم على الحاسوب والكمبيوتر؟
- أول دروس تعلمناها من الهاتف المتحرك، وأبنائي وأحفادي يعلمونني أيضاً، والحاسوب سهل عندما يكون النظر جيداً والإرادة موجودة، وإن شاء الله اتعلم استخدامه مع الأيام .
يقولون وراء كل رجل عظيم امرأة، فمن هي في حياتك؟
- هما امرأتان: والدتي، رحمها الله، وزوجتي ورفيقة دربي الغالية “أم أحمد”، فالوالدة منذ نعومة أظافري حببتني في العلم وشجعتني على الذهاب إلى “المطوع”، إذ كانت تغضب مني بشدة في حال تأخري أو غيابي لإدراكها أهمية العلم وهي لم تكن تجيد القراءة أو الكتابة .
أما زوجتي فهي الأخرى وقفت بجانبي وعندما أخبرتها برغبتي في العودة إلى الدراسة فرحت كثيراً وشدت على يدي مشيدة بهذه الخطوة، لأنني في نظرها سأكون قدوة حسنة لأحفادنا حتى يتعلموا أن طلب العلم لا يتوقف عند سن وليس هدفه فقط الحصول على وظيفة مرموقة، بل أسمى من هذا بكثير .
هل من صعوبات وقفت أمام طريق عودتك لتحصيل العلم؟
- هناك العديد من الصعوبات أهمها السخرية والتعرض إلى الكلمات المحبطة من بعض الأفراد، ودعواتهم المتكررة لي بعد مواصلة الدراسة .
منقول من جريدة الخليج
المفضلات