تعريف الكرامة
هي أمر خارق للعادة، يجريه الله تعالي علي يد ولي، تأييدًا له، أو إعانة، أو تثبيتًا، أو نصرًا للدين.
فمن هم الأولياء؟
والجواب:
الأولياء: جمع ولي، والولاية هي القرب والمحبة، فهم أهل القرب والمحبة من الله عز وجل، وسُمُّوا بالأولياء لقربهم من الله، ولأن الله يحبهم، قال تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) [البقرة:222] وقال تعالى: (إن الله يحب المحسنين) [البقرة:195].
وقد بينهم الله في قوله: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون* الذين آمنوا وكانوا يتقون) [يونس:62،63]، فالولي لابد أن يجتمع فيه صفتان:
الأولى: الإيمان.
والثانية: التقوى.
فأولياء الله الذين هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، فقد أخبر سبحانه أن أولياءه هم المؤمنون المتقون، وقد بين المتقين في قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتي المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} [البقرة:177]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " من كان مؤمنًا تقيًا، كان الله وليًا ".
وقد أخبر النبي صَلَّى الله عليه وسلم عن حال أولياء الله و بما صاروا به أولياء ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: [قال الله تبارك وتعالى: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته] (رواه البخاري)
فليست الولاية بالدعوى والتمني، الولاية إنما هي بالإيمان والتقوي، فلو رأينا رجلًا يقول: إنه ولي ولكنه غير متق لله تعالي، فقوله مردود عليه.
والمراد بـ " خارق للعادة": ما يأتي على خلاف العادة الكونية
وهذا الأمر إنما يجربه الله علي يد ولي، احترازًا من أمور السحر والشعوذة، فإنها أمور خارقة للعادة، لكنها تجري على يد غير أولياء الله، بل على يد أعداء الله، فلا تكون هذه كرامة.
وقد كثرت هذه الكرامات التي تدعى أنها كرامات في هؤلاء المشعوذين الذين يصدون عن سبيل الله، فالواجب الحذر منهم ومن تلاعبهم بعقول الناس وأفكارهم.
الكرامات، قلنا: إنها تكون تأييدا أو تثبيتًا إو إعانة للشخص أو نصرًا للحق، ولهذا كانت الكرامات في التابعين أكثر منها في الصحابة، لأن الصحابة عندهم من التثبيت والتأييد والنصر ما يستغنون به عن الكرامات فإن الرسول صلي الله عليه وسلم كان بين أظهرهم، وأما التابعون، فإنهم دون ذلك، ولذلك كثرت الكرامات في زمنهم تأييدًا لهم وتثبيتًا ونصرًا للحق الذي هم عليه.
-
فالرجل الذي أحيا الله تعالي له فرسه، وهو صلة بن أشيم، بعد أن ماتت، حتي وصل إلي أهله، فلما وصل إلي أهله، قال لابنه: ألق السرج عن الفرس، فإنها عربة! فلما ألقي السرج عنها، سقطت ميتة. فهذه كرامة لهذا الرجل إعانة له.
-
أما التي لنصرة الإسلام، فمثل الذي جري للعلاء بن الحضرمي رضي الله عنه في عبور ماء البحر، وكما جري لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في عبور نهر دجلة، وقصتها مشهورة في التاريخ.
- أما التي هي تأييدا، فمثل ما حدث لأبي مسلم الخولاني من أنه قُذف في النار وخرج منها من غير أن يصاب بأذى
- أما التي هي تثبيتًا فمثل ما حدث لأم أيمن
وهذه الكرامات لها أربع دلالات:
أولًا: بيان كمال قدرة الله عز وجل، حيث حصل هذا الخارق للعادة بأمر الله.
ثانيًا: تكذيب القائلين بأن الطبيعة هي التي تفعل، لأنه لو كانت الطبيعة هي التي تفعل، لكانت الطبيعة على نسق واحد لا يتغير، فإذا تغيرت العادات والطبيعة، دل على أن للكون مدبرًا وخالقًا.
ثالثا: أنها آية للنبي المتبوع؛ لأن الكرامة شهادة من الله عز وجل أن طريق هذا الولي طريق صحيح.
رابعًا: أن فيها تثبيتًا وكرامة لهذا الولي.
أقسام الكرامات:
الكرامة تنقسم إلي قسمي: قسم يتعلق بالعلوم والمكاشفات، وقسم آخر يتعلق بالقدرة والتأثيرت.
-
أما العلوم، فأن يحصل للإنسان من العلوم ما لا يحصل لغيره.
-
وأما المكاشفات، فأن يظهر له من الأشياء التي يكشف له عنها ما لا يحصل لغيره.
-
مثال الأول - العلوم: ما ذكر عن أبي بكر: أن الله أطلعه على ما في بطن زوجته الحمل، أعلمه الله أنه أنثي ـ البداية والنهاية (7/131).
-
ومثال الثاني- المكاشفات -: ما حصل لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث كان يخطب الناس يوم الجمعة على المنبر، فسمعوه يقول: يا سارية! الجبل! فتعجبوا من هذا الكلام، ثم سألوه عن ذلك؟
فقال: إنه كشف له عن سارية بن زنيم وهو أحد قواده في العراق، وأنه محصور من عدوه، فوجهه إلي الجبل، وقال له: يا سارية! الجبل! فسمع سارية صوت عمر، وانحاز إلي الجبل، وتحصن به
هذه من أمور المكاشفات، لأنه أمر واقع، لكنه بعيد.
الكرامات موجودة فيما سبق من الأمم.
ومنها قصة أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة البخاري/ كتاب الأنبياء/ باب حديث الغار، ومسلم/ كتاب الذكر والدعاء. وموجودة في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم، كقصة أسيد بن حضير البخاري/ كتاب فضائل القرآن، ومسلم / كتاب صلاة المسافرين، وتكثير الطعام عند بعض الصحابة البخاري/ كتاب مواقيت الصلاة، ومسلم/ كتاب الأشرية، وموجودة في التابعين، مثل قصة صلة بن أشيم الذي أحيا الله له فرسه.
يقول شيخ الإسلام في كتاب " الفرقان ": " وهذا باب واسع، قد بسط الكلام على كرامات الأولياء في غير هذا الموضع، وأما ما نعرفه نحن عيانًا ونعرفه في هذا الزمان، فكثير".
الكرامة موجودة إلي يوم القيامة
وكرامات الصحابة والتابعين بعدهم وسائر الصالحين كثيرة جداًً مثل :
( 1 ) - ما كان أسيد بن حضير ، يقرأ سورة الكهف فنزل من السماء مثل الظلة فيها أمثال السرج وهي الملائكة نزلت لقراءته.
( 2 ) - وكانت الملائكة تسلم على عمران بن حصين.
( 3 ) - وكان سلمان وأبو الدرداء يأكلان في صحفة فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها.
( 4 ) - وعباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله (ص) في ليلة مظلمة فأضاء لهما نور مثل طرف السوط ، فلما إفترقا افترقالضوء معهما ، رواه البخاري وغيره.
( 5 ) - وقصة الصديق في الصحيحين لما ذهب بثلاثة أضياف معه إلى بيته وجعل لا يأكل لقمة إلاّّ ربي من أسفلها أكثر منها ، فشبعوا وصارت أكثر مما هي قبل ذلك فنظر إليها أبوبكر وامرأته فإذا هي أكثر مما كانت ، فرفعها إلى رسول الله (ص) وجاء إليه أقوام كثيرون فأكلوا منها وشبعوا.
( 6 ) - وخبيب بن عدي كان أسيراً عند المشركين بمكة شرفها الله تعالى ، وكان يؤتى بعنب يأكله وليس بمكة عنبة.
( 7 ) - وعامر بن فهيرة : قتل شهيداًً فالتمسوا جسده فلم يقدروا عليه [ ص: 277 ] وكان لما قتل رفع فرآه عامر بن الطفيل ، وقد رفع وقال عروة : فيرون الملائكة رفعته.
( 8 ) - وخرجت أم أيمن مهاجرة وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش ، فلما كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت حساً على رأسها فرفعته فإذا دلو معلق ، فشربت منه حتى رويت وما عطشت بقية عمرها.
( 9 ) - وسفينة مولى رسول الله (ص) أخبر الأسد بأنه رسول رسول الله (ص) ، فمشى معه الأسد حتى أوصله مقصده.
( 10 ) - والبراء بن مالك كان إذا أقسم على الله تعالى أبر قسمه ، وكان الحرب إذا إشتد على المسلمين في الجهاد يقولون : يا براء أقسم على ربك فيقول : يا رب أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم فيهزم العدو ، فلما كان يوم القادسية قال : أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وجعلتني أول شهيد فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيداًً.
( 11 ) - وخالد بن الوليد حاصر حصناً منيعاً فقالوا : لا نسلم حتى تشرب [ ص : 278 ] السم فشربه فلم يضره.
( 12 ) - وسعد بن أبي وقاص كان مستجاب الدعوة ما دعا قط إلاّّ استجيب له ، وهو الذي هزم جنود كسرى وفتح العراق.
( 13 ) - وعمر بن الخطاب لما أرسل جيشاً أمر عليهم رجلاًًً يسمى سارية ، فبينما عمر يخطب فجعل يصيح على المنبر ، يا سارية الجبل يا سارية الجبل فقدم رسول الجيش فسأل ، فقال : يا أمير المؤمنين لقينا عدواً فهزمونا فإذا بصائح : يا سارية الجبل يا سارية الجبل فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله.
( 14 ) - ولما عذبت الزبيرة على الإسلام في الله فأبت إلاّّ الإسلام وذهب بصرها قال : المشركون أصاب بصرها اللات والعزى ، قالت : كلا والله فرد الله عليها بصرها.
( 15 ) - ودعا سعيد بن زيد على أروى بنت الحكم فأعمي بصرها لما كذبت عليه ، فقال : اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها وإقتلها في أرضها فعميت ووقعت في حفرة من أرضها فماتت.
( 16 ) - والعلاء بن الحضرمي كان عامل رسول الله (ص) على البحرين ، وكان يقول في دعائه : يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم [ ص: 279 ] فيستجاب له ، ودعا الله بأن يسقوا ويتوضئوا لما عدموا الماء والإسقاء لما بعدهم فأجيب ودعا الله لما إعترضهم البحر ولم يقدروا على المرور بخيولهم ، فمروا كلهم على الماء ما إبتلت سروج خيولهم ، ودعا الله أن لا يروا جسده إذا مات فلم يجدوه في اللحد.
( 17 ) - وجرى مثل ذلك لأبي مسلم الخولاني الذي إلقي في النار فإنه مشى هو ومن معه من العسكر على دجلة وهي ترمى بالخشب من مدها ، ثم إلتفت إلى أصحابه فقال : تفقدون من متاعكم شيئاًً حتى أدعو الله عز وجل فيه ، فقال بعضهم : فقدت مخلاة فقال : إتبعني فتبعه فوجدها قد تعلقت بشيء فأخذها.
- وطلبه الأسود العنسي لما أدعي النبوة فقال له : أتشهد أني رسول الله ، قال : ما أسمع قال : أتشهد أن محمداًً رسول الله ؟ ، قال : نعم فأمر بنار فألقي فيها فوجدوه قائماًً يصلي فيها ، وقد صارت عليه برداً وسلاماً.
- وقدم المدينة بعد موت النبي (ص) فأجلسه عمر بينه وبين أبي بكر الصديق (ر) ، وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرى من أمة محمد (ص) من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله.
- ووضعت له جارية السم في طعامه فلم يضره.
- وخببت إمرأة عليه زوجته فدعا عليها فعميت وجاءت وتابت ، فدعا لها فرد الله عليها بصرها.
( 18 ) - وكان عامر بن عبد قيس يأخذ عطاءه ألفي درهم في كمه وما [ ص: 280 ] يلقاه سائل في طريقه ، إلاّّ أعطاه بغير عدد ثم يجيء إلى بيته فلا يتغير عددها ولا وزنها.
- ومر بقافلة قد حبسهم الأسد فجاء حتى مس بثيابه الأسد ثم وضع رجله على عنقه ، وقال : إنما أنت كلب من كلاب الرحمن وإني أستحي أن أخاف شيئاًً غيره.
- ومرت القافلة ودعا الله تعالى : إن يهون عليه الطهور في الشتاء فكان يؤتى بالماء له بخار ، ودعا ربه أن يمنع قلبه من الشيطان وهو في الصلاة فلم يقدر عليه.
( 19 ) - وتغيب الحسن البصري ، عن الحجاج فدخلوا عليه ست مرات فدعا الله عز وجل فلم يروه ، ودعا على بعض الخوارج كان يؤذيه فخر ميتاً.
المفضلات