العام الهجري الجديد وقفات ودروس
في سنة عشرة من الهجرة كان ذلك القرار الميمون بمرسوم عمري طاهر يحكي طهارة ذلك الجيل الذي رباه النبي صلى الله عليه وسلم ، فها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يصدر أمر أن يتعامل المسلمون بالتاريخ الهجري ويتركوا ما سواه من التواريخ ، فغدا التاريخ الهجري مقدم عند المسلمين على ما سواه
وها نحن بعد أيام نقدم الخطى لنعبر عتبات عام منصرم لندخل عاما جديدا.
وكم يمر على المسلمين العام الهجري ولا يلتفتون إلى نعم الإسلام ، ولا يلتفت إليها إلا إذا مر عليه رأس العام الهجري الجديد.
وأنت تتذكر العام الهجري هل خطر ببالك ذلك المصاب العظيم الذي زلزل المدينة يوم حدوثه؟ وهو موت النبي صلى الله عليه وسلم ، فكم من المسلمين لا يتنبهون لذلك ، نعم لقد ترك لنا النبي كتاب الله وسنته الطاهرة ، لكن فقده له وقع في النفوس .
كم تمر على المسلم الأعوام والحال هي ، لا تتغير ولا تتبدل عما هو فيه من غفلة وقسوة في القلب ومعاص بلغت عنان السماء ، أوامر الرحمن معطلة وأوامر الشيطان تنفذ انشغل الناس بالعاصي ، فإذا كان العام الهجري قالوا : هذا هو العام الجديد ، ولكن ، أين الجديد من أفعالك ؟ وأقوالك ؟ ألا يوجد قلب ناه يفكر فيما ممضى من العمر وانصرم من الساعات ، قال الإمام ابن رجب : العجب ممن عرف ربه ثم عصاه وعرف الشيطان ثم أطاعه ..
ها هي الأرض تعج بالمعاصي الذنوب وتجأر إلى الله من ذلك ، وقد غاب عن القلوب الرقيب والمذكر ، فكانت الويلات والمصائب التي تجرع المسلم مرارتها من زلازل وفيضانات ومجاعات وحروب وكسوف " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ..."
بلاء في بلاء وتمر السنين والشرور في ازدياد ، قال مجاهد : " إن البهائم تلعن عصاة ابن آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وتقول : هذا بشؤم معصية ابن آدم .
وقال ابن القيم : ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض من الفساد في المياه والهواء والزرع "
أخية / أما آن لك أن تدرك وأنت تدخلين عاما هجريا جديدا ، أن المعاصي والذنوب سبب من أسباب الذل والمهانة .
فقد كان عامة دعاء إبراهيم بن أدهم : " اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة "
أخية/
هذه فرصة جديدة إن قدر الله أن تحي هذا العام الجديد، فليكن لك من نفسك رقيبا ، فإن الله تعالى محصي لك أعمالك إن كانت خيرا أو شرا..
هل فكرت في أن لا يرتفع لك إلا عمل صالح؟
فإن ساعات العمر محسوبة وكل يوم يمضي من حياتك ينقص من عمرك يكتب لك ما قلته فيعه من قول أو فعل " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"
كم كان الصالحون يحرصون على إحصاء ساعات الليل والنهار وكم كانوا يشفقون أن ترفع له أعمال سيئة ، لقد كان إبراهيم النخعي يبكي إلى امرأته وتبكي إليه يوم الخميس ويقول :" اليوم تعرض أعمالنا إلى الله .
قال ابن القيم : إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.
هل فكرت يوما أنت تحاسب نفسك كم صعد لك من الأعمال الصالحة؟ من صلاة وصيام وصدقة وتلاوة قران وذكر الله تعالى ، إنها الأيام تمر وإنه العمر ينقضي" لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن عمله فيم فعل و......."
هو عمرك فلا تقضه إلا في الطاعات حتى يأتيك الموت ، قال الحسن : إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت ثم قرأ " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين"
أخية/
كم مضى عليك من السنين؟ كم عمرت من العمر ؟ عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" اعذر الله امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنةط
كم من العمر يمضي في غير طاعة الله ؟ كم الساعات تنقي في اللهو والعبث؟ " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"
لقد أفنينا أعمارنا في حب الدنيا والتنافس فيها والتكاثر في اقتناء حطامها ط ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر"
تمر علينا الأشهر سريعة وكل يوم فيها يطلبك بحظك من الطاعة ، فإن المسلم لا تمضي عليه ساعة من ساعات عمره إلا وهي مشغولة بطاعة الله ، حتى إنه ليمر عليه الصيف فيذكر حال من لا ظل له أو مسكن يؤيه من حر الشمس وبرد الشتاء وقبل ذلك يذكره الصيف بشدة نار جهنم .
تلك هي حال المؤمنين الصادقين لا تمر عليهم السنة إلا وقد استزادوا من الصالحات وعمروا أوقاتهم بالطاعات .
قدم مسافر على أهله فسروا به وبكت امرأة من الصالحات وقالت: أذكرني هذا بقدومه على الله فمن مسرور ومثبور.
ما أسعد الصالحين بمعرفة مولاهم / وما أرفع مقامهم بنهلهم من مورد الصالحات؟
اغتنم مواسم الطاعات وأيام القربات فلا تفوتك وأنت لاه غافل يمر عليك شهر شعبان فماذا أديت من الطاعات ؟ يمر رمضان ، شهر الحج أيام زيارة المشاعر .، ما الذي قدمته من القربات ؟ هل سكبت الدموع ونثرت الحاجات بين يدي الله.
قال ابن رجب:
الشهور والأعوام والليالي كلها مقادير للآجال ومواقيت للأعمال ثم تنقضي سريعا وتمضي جميعا ، والذي أوجدها وابتدعها وخصها بالفضائل باق لايزول دائم بكل الأوقات .
لما انقضت الأشهر الثلاث التي أولها الشهر الحرام وآخرها شهر الصيام، أقبلت بعدها أشهر الحج إلى البيت الحرام ، فكما أن من صام رمضان غفر له ما تقدم من ذنبه ، فمن حج البيت ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ، فالمؤمن يتقلب بين هذه الوظائف ويتقرب بها إلى مولاه وهو راج خائف.المحب لايمل من التقرب بالنوافل لمولاه ، وكل ساعة يغفل فيها عن الله فقد خسرها وتكون عليه وترة يوم القيامة .
لقد انصرمت السنين وذهبت الشهور والأيام والكثيرون في غيهم وضلالهم ، فعجل بالرجوع إلى الله فنعم المرجع:" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع ..........."
الإنابة الإنابة ، التوبة التوبة قبل حلول الأجل وقطع الأمل :" إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"
قال الفضيل بن عياض لرجل : كم أتى عليك قال:ستون سنة ، قال له: أنت منذ ستون سنة تسير إلى الله ؟ يوشك أن تبلغ ، فقال الرجل : إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الفضيل : من علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف وأنه مسؤل فليعد للمسألة جواب، قال الرجل : وما الحيلة؟ قال : تحسن فيما بقي من عمرك فيغفر لك فيما مضى.
وقال الحسن البصري : اتق الله يا ابن آدم لا تجتمع عليك خصلتان: سكرة الموت وحسرة الفوت.
إحذر موت الفجأة وموت الغفلة ، ابك على نفسك ، كم نؤمل في هذه الدنيا حتى انقطعت بنا الآمال .
تذكر بانقضاء السنين وانقضاء الأعمار وبزوال الليل والنهار والدنو من دار القرار وبالحر والبرد جنان ربك والنار.
قد هيأوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مه الهمل
أخذ الله بقلوبنا لسبيل الهدى ورحم ضعفنا وتقصيرنا وغفر لنا.
من مطوية..
المفضلات