اتهمت امرأة رجلا بالسرقة ، قالت أنه سرق جزءا من أرضها وأضافها إلى أرضه .
دخلت على والي المدينة ، وتوسلت إليه أن يعيد إليها حقها ، كانت تتحدث إليه بصوت ممزوج بالبكاء ، فكان ظاهر حالها يؤكد أنها مظلومة ، سألها الوالي عمن سرقها ؟

فقالت : أنه سعيد بن زيد . كان ذلك مفاجأة للوالي ، فالمتهم أحد العشرة المبشرين بالجنة ؟
كانت هذه المرأة الشاكية هي : أروى بنت أويس .

كان لابد لوالي المدينة ، أن يستدعي سعيد بن زيد رغم مكانته العالية ، فهو من السابقين إلى الإسلام في مكة ، جاهد مع رسول الله في كل غزواته ، ما عدا غزوة بدر ، فقد خرج في مهمة بأمر رسول الله ، يتجسس أخبار تجارة قريش مع صحابي آخر ، فلما عادا إلى المدينة ، كان رسول الله قد خرج إلى بدر .

كان ذات يوم مع رسول الله ، فوق جبل حراء ، ومعه أبوبكر الصديق ، وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن مالك – رضي الله عنهم جميعا .

فقال – صل الله عليه وسلم : ( اثبت حراء ، فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ) ، فكيف يسرق وهو واحد من هؤلاء ؟!
كما أنه زوج أخت عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو الذي اهتدى عمر بن الخطاب إلى الحق في داره ، بعد أن قرأ قول الله تعالى : " طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى .. " .

بعث والي المدينة ، إلى سعيد بن زيد . تعجّب من اتهامها لأنه لم يظلمها ، بل أنه أكرمها !

قال سعيد في دهشة : والله لقد تركت لها 600 ذراع من أرضي ، بسبب حديث سمعته من رسول الله ، حديث حذر فيه من أخذ شيئا من أموال المسلمين بغير حق ، وتوعد من أموال المسلمين بغير حق ، وتوعد من يفعل ذلك بعذاب شديد يوم القيامة ، لذا فإنني أعطيتها جزءا من أرضي المجاورة لها ، لأكون على يقين ، أنني لم آخذ شيئا منها !

لم يكتف سعيد بن زيد بذلك ، بل قال لتلك المرأة : اذهبي إلى أرضي وخذي منها ما تدّعين أنه حقك .

كان سعيد على يقين أنه مظلوم ، فرفع يديه إلى السماء ، وتوجه إلى الله بالدعاء قائلا : اللهم إنها قد ادّعت أنني ظلمتها ، فإن كانت كاذبة فاعم بصرها ، وألقها في بئرها ، وأظهر الحق للمسلمين ، وبين لهم أنني لم أظلمها .

مرت الأيام ، وهطلت السيول ، فكشف الماء الحد الفاصل بين أرض سعيد وأرض تلك المرأة ، فظهر الحق ، وأدرك المسلمون أن سعيداً – رضي الله عنه – لم يأخذ شيئاً من أرضها .

وهكذا تحقق أهم جزء من دعوة سعيد بن زيد ، وبعد ذلك ، أصاب تلك المرأة مرض في عينيها ، ففقدت بصرها ، وذات يوم كانت تمشي في أرضها ، فسقطت في بئرها .. فماتت قتيلة .

كان سعيد – رضي الله عنه ، أسمر اللون ، طويل القامة ، غزير الشعر ، كان له من الأولاد 31 ، منهم ثلاثة عشر من الذكور والباقي من الإناث .


عاش سعيد – رضي الله عنه – حتى سنة 50 هـ ، وكان يوم وفاته إبن بضع وسبعين سنة ، وبقيت لنا سيرته ، لتؤكد للناس أن الخيار قد يتهمهم الأشرار زورا وبهتانا ، ولكن مهما طال الزمن ، فلابد أن يظهر الله الحق ، ويستجيب لدعوة المظلومين ، ويلقى الظالم جزاءه في الدنيا ولو بعد حين ، وينتظره في الآخرة عذاب أليم .