قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه الطب النبوي (4-347) :
فَاتِحَةُ الْكِتاب:
وأُمُّ القرآن،
والسبعُ المثاني،
والشفاءُ التام،
والدواءُ النافع،
والرُّقيةُ التامة،
ومفتاح الغِنَى والفلاح،
وحافظةُ القوة،
ودافعةُ الهم والغم والخوف والحزن.
-لمن عرف مقدارَها وأعطاها حقَّها
-وأحسنَ تنزيلها على دائه،
-وعَرَفَ وجهَ الاستشفاء والتداوي بها،
-والسرَّ الذي لأجله كانت كذلك.
ولما وقع بعضُ الصحابة على ذلك، رقى بها اللَّديغ، فبرأ لوقته. فقال له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «وما أدراك أنَّها رُقْيَة».
ومَن ساعده التوفيق، وأُعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرارِ هذه السورة،ومااشتملت عليه مِنَ التوحيد، ومعرفةِ الذات والأسماء والصفات والأفعال،وإثباتِ الشرع والقَدَر والمعاد، وتجريدِ توحيد الربوبية والإلهية، وكمالالتوكل والتفويض إلى مَن له الأمر كُلُّه، وله الحمدُ كُلُّه، وبيده الخيرُكُلُّه، وإليه يرجع الأمرُ كُلُّه، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هيأصلُ سعادة الدارين، وعَلِمَ ارتباطَ معانيها بجلب مصالحهما، ودفعمفاسدهما، وأنَّ العاقبةَ المطلقة التامة، والنعمةَ الكاملة مَنوطةٌ بها،موقوفةٌ على التحقق بها، أغنته عن كثير من الأدوية والرُّقى، واستفتح بهامن الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابَه.
وهذا أمرٌ يحتاجُ استحداثَفِطرةٍ أُخرى، وعقلٍ آخر، وإيمانٍ آخر، وتاللهِ لا تجدُ مقالةٌ فاسدة، ولابدعةٌ باطلة إلا وفاتحةُ الكتابِ متضمِّنة لردها وإبطالها بأقرب الطُرُق،وأصحِّها وأوضحِها، ولا تجدُ باباً من أبواب المعارف الإلهية، وأعمالِالقلوب وأدويتها مِن عللها وأسقامها إلا وفى فاتحة الكتاب مفتاحُه، وموضعُالدلالة عليه، ولا منزلاً من منازل السائرين إلى ربِّ العالمين إلاوبدايتُه ونهايتُه فيها.
ولعَمْرُ الله إنَّ شأنهالأعظمُ من ذلك، وهى فوقَ ذلك. وما تحقَّق عبدٌ بها، واعتصم بها، وعقل عمنتكلَّم بها، وأنزلها شفاءً تاماً، وعِصمةً بالغةً، ونوراً مبيناً، وفهمهاوفهم لوازمَها كما ينبغي ووقع في بدعةٍ ولا شِركٍ، ولا أصابه مرضٌ من أمراضالقلوب إلا لِماماً، غيرَ مستقر.
هذا.. وإنها المفتاح الأعظم لكنوز الأرض،كماأنها المفتاحُ لكنوز الجَنَّة،ولكن ليس كل واحد يُحسن الفتح بهذا المفتاح، ولو أنَّ طُلابَ الكنوز وقفواعلى سر هذه السورة، وتحقَّقُوا بمعانيها، وركَّبوا لهذا المفتاح أسناناً،وأحسنُوا الفتح به، لوصلوا إلى تناول الكُنوزِ من غير معاوِق، ولا ممانع.
ولم نقل هذا مجازفةً ولااستعارةً؛ بل حقيقةً، ولكنْ لله تعالى حكمةٌ بالغة في إخفاء هذا السر عننفوس أكثر العالَمين، كما لَه حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم. والكنوزُ المحجوبة قد استُخدمَ عليها أرواحٌ خبيثة شيطانية تحولُ بين الإنسوبينها، ولا تقهرُها إلاَّ أرواحٌ عُلْوية شريفة غالبة لها بحالهاالإيماني، معها منه أسلحةٌ لا تقومُ لها الشياطين، وأكثرُ نفوس الناس ليستبهذه المَثابة، فلا يُقاوِمُ تلك الأرواح ولا يَقْهَرُها، ولا ينال منسلبِها شيئاً، فإنَّ مَن قتل قتيلاً فله سلبه.
المفضلات