أمثلة على السنن المهجورة في المجتمع المسلم:
ونذكر هنا أمثلة على هذه السنن المهجورة في المجتمع المسلم، والمقصود هنا حصول الغالب أعني أن هذه السنة قد تكون موجودة عند بعض أفراد الأمة، وفي مناطق مختلفة، لكنها بالعموم تكون غير مشاعة ومشتهرة بين أفراد الأمة، فهي مهجورة عند الأغلب. وعند الحديث عن هذه السنن، نكتفي بذكر ما يدل على كونها سنة ثابتة عن المصطفي– صلى الله عليه وسلم- مع ذكر التعريف، وبعض فوائدها أن وجد على وجه الإيجاز فالمقصود التمثيل لا الحصر والتفصيل وأول هذه السنن.السواك: وسنة السواك بالجملة موجودة في الأمة، لكنها مهجورة عند عموم الأمة, وهناك نوع من الهجر لهذه السنة عند من يقومون بها في بعض المواطن والأوقات، فلا يستعمل السواك عند الوضوء، وكذلك قبل النوم، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند دخول المنزل، وقبل صلاة الليل، وعند قرأت القرآن الكريم, والأحاديث الواردة في مشروعية السواك، والدالة على سنيته كثيرة نذكر منها:ما رواه لنا أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة"(31).وعن واثلة بن الأسقع-رضي الله عنه- قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "لقد أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي"(32). وهذا حذيفة-رضي الله عنه- يقول: "كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل"(33).وعن ابن عباس-رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لقد أمرت بالسواك حتى رأي أنه سينزل على به قرآن، أو وحي"(34).وعن أبي أمامة-رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تسوكوا، فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، وعن بن عمر-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم ومرضاة للرب"(35).ومما يدل على أهمية السواك وفضيلته أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أخر ما فعله قبل وفاته التسوك بالسواك فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي-صلى الله عليه وسلم- وأنا مسندته إلى صدري ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به فأبده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصره فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته ثم دفعته إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- فاستن به فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استن استنانا قط أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رفع يده أو إصبعه ثم قال في الرفيق الأعلى، ثلاثا ثم قضى"(36).وأما استعمال السواك في بعض الأوقات وقد هجرها الناس كما ذكرنا آنفاً كالوضوء، وكذلك قبل النوم، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند دخول المنزل،وقبل صلاة الليل، وعند قرأت القرآن الكريم، وفي يوم الجمعة فالدليل على السنية ما ورد من الأحاديث ففي صلاة الليل روى لنا حذيفة -رضي الله عنه-: أن النبي-صلى الله عليه وسلم-: "كان إذا قام للتهجد من الليل يشوص فاه بالسواك"(37).وعند الوضوء:قال أبو هريرة-رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء"(38).وعند دخول المنزل:يقول المقدام بن شريح عن أبيه قال: سألت عائشة- رضي الله عنها-قلت بأي شيء كان يبدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل بيته ؟ قالت بالسواك"(39).وأما في يوم الجمعة: فقد أخبر ابن عباس -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في جمعة من الجمع: "يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه وعليكم بالسواك"(40).وعند قرأت القرآن الكريم: قال علي بن أبي طالب: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أفواهكم طرق للقرآن، فطيبوها بالسواك"(41).والسواك باللغة هو بكسر السين يطلق على الفعل وهو الاستياك، وعلى العود الذي يستاك به وهو المسواك أيضا يقال : ساك فاه أي دلكه.وشرعاً: استعمال عود أو نحوه أو أي شيء خشن في دلك الأسنان وما حولها(42).وقد أتفق أهل العلم على مشروعيته، وأنه سنه مؤكدة يقول ابن قدامه –رحمه الله-: واتفق أهل العلم على أنه سنة مؤكدة لحث النبي صلى الله عليه وسلم ومواظبته عليه وترغيبه فيه وندبه إليه وتسميته إياه من الفطرة(43).وللسواك فوائد كثيرة: فهو يطهر الفهم ويرضي الرب كما مر، ويبيض الأسنان ويطيب النكهة ويسوي الظهر ويشد اللثة ويبطئ الشيب ويصفي الخلقة ويذكي الفطنة ويضاعف الأجر (44).يقول ابن القيم-رحمه الله-: وفي السواك عدة منافع : يطيب الفم ويشد اللثة ويقطع البلغم ويجلو البصر ويذهب بالحفر ويصح المعدة ويصفي الصوت ويعين على هضم الطعام ويسهل مجاري الكلام وينشط للقراءة والذكر والصلاة ويطرد النوم ويرضي الرب ويعجب الملائكة ويكثر الحسنات(45). والعلم الحديث اليوم يكشف بعض فوائد السواك وما يحتويه من مواد هامه وكثيرة تستخدم اليوم في كثير من معاجين الأسنان، والمقصود هو المحافظة وإحياء هذه السنة النبوية العظيمة، هذه السنة الجليلة الظاهرة ظهور النهار، وواضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار، ولا شك أن هذا الإحياء لهذه السنة من أهم الأعمال التي تقوي الإيمان وتزيده، لأن كل عمل صالح يزيد في الإيمان.ومن السنن المهجورة سنة الاستخارة:الاستخارة:والدليل على السنية ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به، قال ويسمي حاجته"(46).ومما يدل على مشروعيتها وسنيتها فعل الصحابة الكرام، وإجماعهم على ذلك فقد استخاروا المولى-جل وعلا- عند دفن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه- قال:- لما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- كان بالمدينة رجل يلحد، وآخر يضرح، فقالوا نستخير ربنا ونبعث إليهما، فأيهما سبق تركناه، فأرسل إليهما، فسبق صاحب اللحد، فلحدوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-,(47).والاسْتِخارَةُ طلَبُ الخِيرَة في الشيء وهو استفعال منه، يقال خارَ اللهُ لك أَي أَعطاك ما هو خير لك والخِيْرَةُ بسكون الياء الاسم من ذلك، ومنه دعاء الاستخارة اللهم خِرْ لي أَي اخْتَرْ لي أَصْلَحَ الأَمرين واجعل لي الخِيْرَة فيه، واستخار اللهَ طلب منه الخِيَرَةَ وخار لك في ذلك جعل لك فيه الخِيَرَة(48).وفي فيض القدير: والاستخارة طلب الخيرة في الأمور منه تعالى، وحقيقتها تفويض الاختيار إليه سبحانه فإنه الأعلم بخيرها للعبد والقادر على ما هو خير لمستخيره إذا دعاه أن يخير له فلا يخيب أمله والخائب من لم يظفر بمطلوبه، وكان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- كثيرا ما يقول خر لي واختر لي(49).والاستخارة تكون في الشيء المباح، وفي الواجب المخير، وفي المستحب، فالحديث عام أريد به الخصوص يقول بن أبي جمرة-رحمه الله-: هو عام أريد به الخصوص فإن الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما والحرام والمكروه لا يستخار في تركهما فانحصر الأمر في المباح وفي المستحب إذا تعارض منه أمران أيهما يبدأ به، ويقتصر عليه قلت وتدخل الاستخارة فيما عدا ذل، ك في الواجب والمستحب المخير وفيما كان زمنه موسعا ويتناول العموم العظيم من الأمور والحقير فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم(50).والاستخارة هذه السنة المهجورة عند كثير من المسلمين من أسباب حصول السعادة التي يبحث عنها كثير من الناس اليوم فعن سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له"(51).وإحياء هذه السنة يغني عما يقع فيه كثير من الناس من قراءة الكف وضرب الرمل والوسائل الأخرى التي حذر الإسلام منها، أو لم يشرعها، فالعلم الحقيقي عند الله سبحانه والدعاء مع العبادات خير وسيلة لمساعدة الإنسان على ما يريد(52).فما أحوجنا لهذا الهدى النبوي اليوم، ولو لم يكن منه إلا إحياء هذه السنة النبوية وإتباع هدى سيد الخلق محمد –صلى الله عليه وسلم- لكفى.- صلاة ركعتين عند الخروج والدخول في المنزل:ومن السنن التي هجرها كثير من أفراد الأمة سنة الصلاة قبل الخروج من المنزل، وعند الدخول إليه وخاصة مع انشغال كثير من المسلمين بمشاغل الحياة اليومية التي تشعبت وتعقدت كثيراً، وهذه السنة من الهدي النبوي الذي تقي المسلم من مخارج السوء، ومداخله، والدليل على السنية والمشروعية لهذه السنة ما رواه أبو هريرة-رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه و سلم- قال:" إذا خرجت من منزلك إلى الصلاة فصل ركعتين يمنعانك مخرج السوء، و إذا دخلت إلى منزلك فصل ركعتين يمنعانك من مدخل السوء"(53).وفي حديث أخر وإن كان فيه مقال عن أبي هريرة-رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دخل أحد المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين، وإذا دخل أحدكم بيته فلا يجلس حتى يركع ركعتين فإن الله جاعل له من ركعتيه في بيته خيرا"(54).ويشهد له ما رواه فضالة بن عبيد قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا نزل منزلا في سفر أو دخل بيته لم يجلس حتى يركع ركعتين"(55).والمقصود بالمنزل محل الإقامة من نحو منزل، أو خلوة، أو مدرسة، أو خيمة، أو حتى غار في جبل، أو غير ذلك، وهذه الركعتين تحصل بصلاة فرض، أو نفل. وقد بين النبي– صلى الله عليه وسلم- العلة في ذلك والحكمة، وهي الوقاية من مخرج ومدخل السوء.وهناك سنن كثيرة قد غيبت عن عموم الأمة، ولا يعمل بها إلا من كان من أهل الالتزام، وإن كان هذا ليس على أطلاقه، فسنن النبي – صلى الله عليه وسلم- كثيرة، وقد تجد أناس يعملون بسنن هنا، وأخريين في مكان أخر يعملون بسنن أخرى وهكذا، فمن هذه السنن سنة التبكير يوم الجمعة إلى صلاة الجمعة، وخروج النساء إلى المصلى في صلاة العيد، فقد كانت هذه السنة منعدمة في كثير من المناطق واليوم بدأت بالعودة والظهور من جديد وهو من إحياء السنن، وكذلك من السنن النبوية بعض الأدعية المأثورة في بعض الأوقات والأماكن كدعاء اللباس، والبسملة، والدعاء بعد الأذان، وغيرها من الأدعية المأثورة، وكذلك الترجيع في الأذان، ومن السنن كذلك زيارة المريض فهي من حقوق المسلم على أخيه المسلم، ومن السنن الدلالة على الخير، والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، وإعانة المحتاج، والكلام الحسن، وإزالة الأذى عن طريق الناس، وسنة المسارعة إلى الصلاة عند سماع النداء، وقرأت سورة الكهف في يوم الجمعة، وسنة التبسم في وجه غيرك، عدم قيام إمام المسلمين بالخطبة يوم الجمعة والعيدين، وهذه سنة منعدمة عند كثير من حكام المسلمين اليوم الا من رحم الله، وسنن الحج منها المبيت في منى يوم الثامن، ورفع الصوت بالتلبية بالنسبة للرجال، والاستمرار فيها من بدء الإحرام إلى رمي جمرة العقبة، والاضطباع، واستلام الركن اليماني، والتكبير عند الركن، والرمل في الأشواط الثلاثة الأولى وغيرها كثير من سنن الحج، والسنن النبوي على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم. ونسأل المولى -جل وعلا- أن يجعلنا من المتمسكين بالسنة العاملين بها، وأن يلهمنا الرشد والرشاد والصواب بالقول والعمل، والتوفيق والسداد أنه على ما يشاء قدير، والحمد لله رب العالمين، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة، وصلى الله وسلم على إمام المتقين، وسيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
المفضلات