مقآل عـــــن " وصف الدهر"
قال الشاعر:
قُل للذي بصروفِ الدهرِ عيَرنا هل عاندَ الدَهرُ إلا مَن لَهُ خطرُ
الدَهرُ كلِمةٌ تحمل في طياتها معانيَ كثيرة، من سنينَ مُتباينة فيها شهورٌ تتخللُها أيامٌ سعيدة وأُخرى حزينة ، ولِكُلٍ منا دَهرَهُ ، وزمانُهُ الذي يُحَدِدُ قَدَرَهُ وشَخصَه، إنَ الدَهرَ ماهو إلا زمانٌ وينقضي، ولا يخلو الدهرُ من المصائبِ التي تُضعِفُ كيانَ الإنسان ؛ فهذا هو حالُ الدنيا حيثُ يقولُ الشاعِر :
طُبعت على كَدَرِ وأنت تُريدُها صفواً من الأهواء والأكدارِ
نرتجي من الأيام أن تُريح قلوبنا وأبداننا من الهمِ والألم ، ولكن لا بد من الإجابةِ بالرفض؛ فهكذا خُلِقَت الدُنيا، يقولُ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) : "الدُنيا سجن المؤمن ، وجنةُ الكافر" فالمؤمن يُقاسي مع الدُنيا ملذاتها وشهواتها ويتجرعُ منها احتساباً لأجرِهِ في الآخِرة .
الدهرُ يُلاقي من الإنسان ما يزيدُ على ظُلمهِ وجورِه في ظُلمهِ للآخرين وترفُعهِ عنهم والإساءة إليهم ، فيضطرُ الإنسان بالإضافة إلى مِحن الأيام أن يُقاسي ظُلمَ وقَسوةَ الناس عليه ، وبالتالي يُعاني من الجانبين ولا يُلاقي راحةً أو نفساً راضية فيَظلُ مَهموماً يعيش السعادة للحظاتٍ سُرعان ما تنقضي، فما عليه إلا الرِضا بقضائه، وما خلفته له الدُنيا والناس من حوله ؛ تخفيفاً لآلامه.
ما على الإنسان إلا المحاولة في تقبل قدرهِ وقضائه ، لما لَهُ أثرٌ في تهوين المصائب وعدم الشعور بالندم، وما عليه سوى التفكُير بالأجر والثواب الذي سيترتبُ عليه من خلال صبره، وبما أنَ كل الحياة اختبار وابتلاء؛ فعلى المؤمن معرفة كيفية الخلاص من كُل ابتلاء بالطريقة الصحيحة والتي تُرضي الله سبحانهُ وتعالى، وتبعثُ السلام في نفس المؤمن وإنما أمرُ المؤمن في سراءهِ و ضراءهِ خيرٌ لَهُ فهو في كلا الحالتين راضٍ بقضاء الله وقدره؛ فيقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " عجباً لأمرٍ المؤمن كلهُ لَهُ خير إن أصابتهُ سراءٌ شكرَ فكان خيراً لهُ ، وإن أصابتهُ ضراءَ صبرَ فكان خيراً لَه ".
وعليه كذلك التزود بٍخُلُق الحُلم و التسامُح والرضا عن النفس وتزكيتها؛ فكُلنا محاسبون بما تدور به أنفسنا من جوارح و في النهاية سنحاسبُ حساباً عسيرا، ولن يكونَ هناك فرقٌ في الأجناس والألوان، ولا غنيٍ أو فقير في الحساب والسؤال حيثُ يقولُ الشاعر:
نطوف ما نطوفُ ثم يأوي ذوو الأموالِ منا والعديمُ
إلى حُفرٍ أسافِلُهُنَ جوفٌ وأعلاهُنَ صَفاحٌ مُقيمُ
فهُناك هو المأوى الأخير لكل الأجساد والأجناس والصابرين والمحتسبين وأيضاً كل المتذمرين والعاصين ، اللهم نسألُك حُسن الخاتمة.
المفضلات