الجزء الثاني ..
هززتُ رأسي ، غيضاً وضيقاً وحنقاً ، نعم ، افهمكِ .. فتجارة العُشاق مُتصلة غير منقطعة .. رابحة لا خاسرة ، وأجزم أنّ أنوثتك مُستمرة تزاحم الجودة وتنافس غيرها بما تمتازينَ به ..من وجه جميل ، وحركة وقوام أنوثةٍ صارخة ، تعتدّينَ بها .. فلا تثريبَ ان يتنافس عليكِ المتنافسون ، راكعينَ وهائمين وغارمين ، والرابح من يدفع أكثر .. هكذا هو الغلاء في عينك وهكذا هو الثمنْ الأصح عندك .. وهذه هي طريقة ارتقاء مكانتك ، وتلك هي في اعتقادي الأكيد سُوء تدبير ونظرةٍ قاصرة بل هي وصفةٍ خاسرة .. تباً لكِ ، وبمَ تُفكّرين به ..!! ( في هذه اللحظة ، ضلّتْ صامته ولم ترد .. وعينيها تتجاذب مع عيني .. فيختلط صِدْقي مع كَذبها .. ). أعدت عبارتي بِغَيْضٍ أشدّ من ذي قبل ، تباً لكِ ، وبمَ تُفكّرين به ..!!. كلمة خرجتْ من جوفي .. فقطعتْ تفكيرها .. اهتزّ رأسها ، إيحاءً إلى انصرافها إلى من تُحب .. مُؤكدة لي ذلك بتلميحاتها وحركة جسدها .. وأنا قاعدٌ وقائمٌ ارقبها ، لم أغادر مكاني .. أخذتْ تمشي بين ردهات البيوت الصغيرة ، مُروراً ببيتنا .. كان بيتنا فريد بموقعه الممتاز في حارتنا دون بقيّة الحارات .. إذ يقع على دَكّ مُرتفع قليلاً عن بقيّة البيوت ، ذلك لأن التلّة التي يقع عليها بيتنا ، تتوسّط البساتين المُحيطة بها من جهاتها الاربعة ، بيتنا يعود ما قبل النهضة الحديثة بكثير .. فالقمر والشمس يلمسانه ولو عن بُعد .. فالشمس المُحرقة تكون هادئة في بيتنا ونهارها مُبهج ، والقمر ضياؤه يوقض العاشقين ، ويهنأ النائمون في رقدةٍ يستمتعون بها كُلٌ في غُرفته خالد ، لا يبغي عليها ولا يلجأ إلى غيرها ولا يقطع وناستها عن نائم وسعيد لغاية في نفسه . شيء يدفعني إلى التوسّل ، أن أركع بين يديها ، حرقة في صدري ، طفتْ بقوة ، فانفتح زرّ "جيبَ " دشداشتي المُحيط برقبتي ، فقبضتُه بأطراف يدي ، فازداد انفتاحاً ، وغدوتُ كمن جُنّ أو استشعر باقتراب جنونه .. كالمهبول علا صوتي نحوها :
-إلى أين ..؟!
-إلى من اختارته نفسي بديلاً عنك .. لأجد سُؤلي الحقيقي من العاطفة الصادقة . هو من فاز ، بعيداً عن مراوغاتك التي لم تقنعني يوماً انك كفؤٌ لي .
انحبستْ دمعتي في مُقلتاها ، وأنا ارقبها تحثّ الخطى سريعاً ، لم تكن من عادتها ان تمشي هكذا أو حتى تكلّمني بهذه الوقاحة التي استحقرتها وكرهتها بسببها .. بغضتُ نفسي وتساءلتُ لماذا أنا قرفٌ وفي نفسي شئوم كبير .. انعقد جبيني ، تصدّع رأسي ، تصلّبت عُروقي ، وتصاعد الدم إلى أعلى رأسي وغدوتُ كمن ينكمش ، أو كآلةٍ تتحطّم ، تتكدّس ، تنطوي ، تنهلّ ، وتسقط في غير إرادة ، قلتُ في نفسي ، ربما تعمدّتْ المُرور من هنا ، كيْ أزداد حَنْقاً وغيضاً ، تساءلتُ بغضبٍ ، لماذا تجرح شعوري .. ؟! لماذا تقتل كُل عاطفة حيّة ونشطةٌ في داخلي .؟! لماذا هيَ راغبة بأن تترك كل جحيم الألمْ في حياتي ؟! لماذا تصادفتْ رغبتها آنياً وفي هذه اللحظة بالذات ، أتريد أن تُبقي حياتي في قسوةٍ دائمة .؟! أم قررتْ أن تبعدني وتحرمني بطريقة مَكْر الانثى وكيدها وخُبثها .. أم هيَ تستدرجني إلى عاطفة لا أفقه ما يحومَ حولها .؟! أمعقول أن أبقى منزوع العاطفة ، وأنا الذي أعطيتها ومنحتها وأهديتها كل مَحبتي ، وجعلتُ مودّتي لها وحدها دون سواها .. فهل أجْزى بقلب ناكر غير شاكر ، وبعاطفة هواها خاليةٌ من ذكرى طفولتنا .. !! لماذا تفعل هكذا وقد أخلصتُ لها ، بكل ما أحمله من مشاعر نحوها .. فلماذا لمْ تَصْدُق ولوْ بعاطفةٍ واحدة لكي احس وأشعر انها بالفعل تُجاهد نفسها كما أنا اجتهد في إخلاصي بحبّها ..!! أم كُتبَ عليّ بأن أضلّ أرقب قولها وانتظر مودتها ، تابعاً ، مُنقاداً ، أم أستبدل مودتي إلى لغةٍ أخرى ، تساعدني لعى حفظ ماء وجهي وكرامة رجولتي ، حتى إذا لقيتُها لمْ اكترث لأمرها ليكون الجزاء بالمثْل .. أم أتنازل فأخبرها بحبّي وأسايسها حتى تهوي راكعة ذليلة ، ثمّ أَلْقيها في الحضيض .. جزاءً وِفَاقاً بما صنعتْ ..!؟ أزداد حسافةً وتأسفاً.. وأنا أتذكّر قولها .. لن أنسى من قال لي يوماً أحبك ..وها هيَ الآن تضيع من يدي ، تُفْرعنّي ، تتخلّى عن مكانتها في قلبي ولأتفهَ الأسباب . أسبابها واهية لا تُعنيني ، وحدها من اختلقها .. وحدها من حوّرتها وزيّفتها ، بعظْمِ لسانها وعدتني وبيدها عاهدتني ، فلماذا تُفسد كل ما في داخلي من حُبٍ وحَياةٍ وعاطفةٍ جيّاشة .. تخطّفتْ بصري وشلّتْ عقلي .. إنها وقاحة بل قسوة حُب رخيص .. فالحب المكينْ لا يهتز عند أول هبّة ريح ، يصطدم بها بل يتلقفها بقوةٍ عتيدة ..!وقفت في حيرة من أمري وما زالت الدهشة تعتريني ، تشغلني ، بتساؤلاتها التي لا تنتهي ، لماذا وصلتْ حالتي
العاطفية إلى حدٍ لا يطاقْ ..؟
استرجعت بذاكرتي قول إحداهنّ ، أنت لا تمتلك طريق العاطفة .. لست شجاعاً ، لانّك لست بيدكَ الجرأة بطريقة شُجاعه ، تضلّ مراراً تحتفظ بها دون ان تُبدي شيئاص م لمسة تُدغدغ بها أنونثتها ، كأنما وقْفاً عليها او على عاطفتها ، فالانثى لا تريد من شابٌ يحترم بحياء ، بل تريد مجاهراً ملتزماً .. أترك كل الذي مرّ أو مرتْ بك .. أترك كل شيء جانباً ، لا تحمل في ذاكرة عُرفاً ، ولا مكاناً ، ولا تقارباً ، عش حياتك واقتربْ .. عندها تنال كل المشاعر في لحظتها ، واعلم يقيناً أن هذا لأمرٌ قرف ونكْسة من مُنغّصات العاطفة بل هيَ من عقبات قسوتها ،.. رددتُ في نفسي وكأني أتلذذ بالرد عليها ، أحاورها ، أجادلها بطريقة معرفتي ، فانا لا أكفّ عنها .. هيَ من كرّهتني .. لستُ أنا.. والدليل ، أني أُصبتُ بتقزز أكاذيب ٌتتلى في الحُب .. وما هو كذلك ، حُب لا يستأهل كل هذه الهالات من التقادم والتعاظم والتبجيل ولا يستأهل كل هذه القامات العطاء والبذل والجهد والضياع والشتات ، نعم إنه الشتات والضياع والقهر وما أكثرهُ من زيف لأن المحاور جميعها لا تعدو كونها قراءات تسترخص معناهُ الحقيقي .. تلك العاطفة الأولى وجدتني امقتها ، اكرهها بحجم ما غيّبتني في عذابات حُبها .. فهل يحق لي ان امنحها لغيرها ..؟! . تحمحمتُ لتحسين صوتي .. ناديتُ عليها ..
- إيه ..( ... ) أنتِ .. قِفي .. افهميني .. أريد ان أخبرك بشيء ..!؟
لم ترد .. . كان ندائي لها ، لكيْ ألفت انتباهها ، لكي أملأُ عيني بغواها ، ملأتْ رغبتي من حدقتا عينيها .. وشحنتُ عاطفتي من بؤبؤها .. اقتنعتُ أخيراً أنها ليستْ لي .. وهي عني بعيدٌ .. فلماذا ارتضيها لنفسي .. ؟! كان منظري في هذه اللحظة ، مؤسفاً .. ان رجلاً مثلي ، يقف ، يصرخ ، بكل ما يملك من قوة صوت ومهابةٍ ومكانة وثقافةٍ عالية .. يتوسّل ، يستعطف بذلّ إلى فتاةٍ أغوته بجحيم عاطفتها التي لا تستوي بَعْد .. ولم تنضج ثمرتها ، غير معقول أنا هو ذاك الرجل المكين ، جُننت وأنا أستعيد شريط ذكرياتي ، كأنّي مسكون بضعف .. تنفستُ بعمق .. نزلتْ دمعتي ، كانتْ مؤشرٌ حقيقيٌ لسقوطي ، في هواها ، وقلّة حيلتي في براثن مكرها وخداعها .. وقفتْ تنظر إليّ كالمخادعة ، وأنا مضطرٌ للنظر في جسدها ، أتابع تقاسيم أشيائها ، انظر بين دفّتيها حركة تنقسم إلى حركتين وأكثر كلما مشتْ ، شيئان يتجاذبان ، يصطدمان ، تنفتح واحدة وتقفل أخرى ، حركةٍ دائبة ، احتكاكٌ طبيعي غير ذي تأثير جانبي ، وقفتْ ، أبطتْ في حركتها ، برزتْ مؤخرتها ، بانتْ فِلْقتيها ، لفتتْ نظري ، صرختُ في وجهها ، مسبوقةٍ بتمتمةٍ بيني وبين نفسي :
لماذا تتركيني .. ؟! لماذا تتخلي عني .؟؟! وفي صمتي ، لماذا ذهبتْ ، هل كاذبة .. وعاجلتني بعاطفةٍ تستحقرني فيها .!؟ فمن هو الكاذب هيَ ام العاطفة .!؟ صرختُ ، ايه تعالي .. رفعتْ أصبعها ورصّته على بوزها ، اسسسس .. أرجوك ، اسكتْ ، كن عاقلٌ . كُن حصيفاً غير مخبول .. هذه حركةٍ لا تنسجم مع الأدب العام . إظهر سمْتك ، وإلا ..؟؟! رددت العبارة ..وإلا .. وإلا .. ماذا ..؟! وقفتْ بصلابة .. سامحني ، فانا لمْ اعد لك .. ولم اُخلق لك .. اذهب ولا تقف في طريقي .. وكأنك لا تعرفني .. اعذرني لقد كذبتُ عليكَ ، وخدعتكَ ، وعبارات الحُب التي كنت امطركَ بها ، كانت مجرد كذباً في كذب . كنت أتسلّى بها معكَ .. اعتبرها من اخطاءات مراهقة ، اليستْ كثيرة هي الاخطاءات التي مررت بها وها أنا اليوم أنسحب ، كان ظنّي بحبيبي افتراءٌ عليكَ فقد تأكدت بان لم يقترنَ بأخرى غيري ، في سفرته الطويلة ، فأردتُ ان أعذبه برجل مِثْله .. لكني وجدته شخص لا يُنتسى .. ذلكَ لأنه لم ينساني رغم المُغريات ، لم يتخلّى عني ، لم يتركني ، فكيف اخذله وأنا وهو منذ ان كنا صِغاراً وكأننا كُتبْنا لبعضنا . نعم أنا أجرحك َ بهذه الكلمات ، ولكني أردتك ان تقتنع ، ان ترضى .. ان تبتعد .. ان تعتقد أنت وأنا لا يُمكن ان نقترنْ ببعض . واعتبرها قصة عابرة ، وعاطفة هابطةٍ مشئومة ، وحبٌ كاذب .. وكلمات مفتونةٍ .. انتبه ولا تنخدع بأخرى مثلي ، وأعلم أنّ لكل واحدة منا أكثر من عاطفة . خذها قاعدة ، واجعلها في صرّةٍ ، واقبض عليها .." لا تُمنّي نفسك بحبٍ يقهركَ ، ولا يتمنّاك .. فالحب الخالص لا يأتي بالأمنيات وحقيقته تسترخص التمنّي ، فالحب ليس بأمانيّ ولكنه وعدٌ لن تُخلفه العاطفة ابداً ن يُخطئه القلب ولكنه يُصيبه العقل والقلب معاً ..!! "
وإلى الملتقى .. صباحكم عاطر ومساكم في بركه .
المفضلات