راية سوداء ، يرفعها كافر على رمح طويل ، وهو راكب على جمل أحمر ، انطلق يتقدم جيش الكافرين ، وكلما لحق بأحد المسلمين ، طعنه برمحه ، ظل يتقدم ، رآه بطل شجاع لا يهاب الموت في سبيل الله ، فانطلق نحوه .
كان ذلك المشهد في غزوة حنين ، التي وقعت بعد فتح مكة ، فقد انتشرت أخبار الفتح العظيم ، فاشتد غيظ قبيلة اسمها ( هوزان ) فعقدوا العزم على الخروج لقتال المسلمين .
علم رسول الله – صل الله عليه وسلم – بذلك ، فبعث إليهم رجلا من أصحابه كي يستطلع أمرهم ، ويخترق صفوفهم ، ويقيم بينهم ثم يعود إليه بخبرهم .
فانطلق ذلك الصحابي امتثالا لأمر رسول الله ، ثم عاد إليه وأخبره أنهم مقبلون لحرب المسلمين .
فقرر رسول الله الخروج إليهم ، وقتالهم دفاعا عن دين الله .
كان زعيم الأعداء اسمه مالك بن عوف النضري . أمر جنوده أن يصحبوا معهم أموالهم ونساءهم وأولادهم ، كي يستبسل كل منهم في الحرب والقتال دفاعا عن عرضه وماله وأولاده .
خرج مالك على رأس جيش كبير سار في اتجاه مكة ، قال لجنوده : إذا رأيتم المسلمين ، فاهجموا عليهم هجمة رجل واحد كي نقضي عليهم .
خرج رسول الله على رأس جيش قوامه إثنا عشر ألفا من المقاتلين ، ألفان منهم من أهل مكة ، وعشرة آلاف من أصحابه الذين أقبلوا معه يوم الفتح ، سار المسلمون حتى وصلوا إلى وادي حنين ، ثم هبطوا في الصباح الباكر إلى واد منحدر ، كان الأعداء قد سبقوهم إلى هذا المكان فاختبأوا في مكان لا يراهم المسلمون ، واستعدوا للإنقضاض عليهم .
وصل المسلمون إلى ذلك المكان في عماية الصبح ، فانقض عليهم الأعداء فجأة .
فوجئ المسلمون بالهجوم ، فاضطربت صفوفهم وتفرقت جموعهم ، وفروا راجعين .
لم يبق إلا رسول الله ومعه عدد قليل من المهاجرين والأنصار وأهل بيته .
صاح رسول الله في المسلمين قائلا : إلى أين أيها الناس ؟ هلم إليّ .. أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبدالله .
ولكن أحدا لم يستجب لندائه ، فقال النبي لعمه العباس : يا عباس أصرخ : يا معشر الأنصار يا معشر السمرة – والسمرة هي الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان ، عام الحديبية ، حيث بايع الصحابة رسول الله على قتال كفار مكة – امتثل العباس لأمر النبي وكان ذا صوت جهور .
فلما انطلق صوته بذلك النداء أجابه المسلمون قائلين : لبيك .. لبيك .
وأقبلوا نحو الصوت مسرعين ، والتفوا حول رسول الله وجاهدوا جهاد المؤمنين الصادقين ، وقاتلوا الأعداء في شجاعة واستبسال .
رأى علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – رجلا من الكافرين راكبا جملا أحمر ، رافعا رايته السوداء ، يتقدم القوم ، ويطعن من يلحق به من المسلمين ، فأسرع نحوه ومعه مجاهد من الأنصار ، ضرب الجمل من الخلف بسيفه فاختل توازنه ، فوثب الأنصاري على ذلك الكافر وضربه بسيفه .
وهكذا نصر الله المسلمين يوم غزوة حنين ، بعد هزيمة قد حلت بهم ، فقد أعجبتهم كثرتهم في البداية وقالوا : لن يهزمنا الأعداء اليوم لكثرة عددنا ، فأصابهم ما أصابهم ، ثم أيدهم الله بجنود من عنده ، فعرفوا أن النصر من عند الله سبحانه .
المفضلات