يقولون في الأمثال : " لسانك حصانك .. إن صنته صانك ، وإن خنته خانك " .

وقال الشاعر :
احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان

وإذا كان هذا الشاعر قد أوصى الناس بحفظ ألسنتهم ، كي لا تؤدي إلى هلاكهم ، فإن شاعرا آخر كاد أن يفقد لسانه بسبب أشعاره ، إنه : الحطيئة الشاعر العربي المعروف ، لقب بالحطيئة لقصر قامته ، أدرك الجاهلية ، ولكنه لم يُسلم في عهد رسول الله ، بل أسلم في زمن الخليفة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه .

كان الحطيئة كثير الهجاء ، يخوض في أعراض الناس ، ليس له غالٍ ، فلم ينج من هجائه أحد ، حتى أبوه وأمه وخاله وعمه ، والأكثر من ذلك أنه هجا نفسه .

وذات يوم ، هجا رجلا من سادات العرب اسمه : " الزبرقان " ومعناه : القمر ليلة خمس عشرة ، فشكاه إلى أمير المؤمنين عمر ، فقال له عمر – رضي الله عنه : ما أراه هجاك ، قال الرجل : يا أمير المؤمنين لا يكون هجاء أكبر من هذا ؟

أرسل أمير المؤمنين عمر إلى حسان بن ثابت شاعر الرسول ، عرض عليه ما قاله الحطيئة .
فقال حسان : يا أمير المؤمنين ، ما هجاه ولكن سَلَحَ عليه ، أي ما هجاه فقط ، بل إنه ألقى عليه ما في بطنه ، وأساء إليه إساءة بالغة .

أمر أمير المؤمنين بحبس الحطيئة ، كي يحمي الناس من لسانه وقال له : يا خبيث لأشغلنك عن أعراض المسلمين ، فدخل السجن بعد أن ثبتت إدانته ، وترك زوجته وأطفاله .

لم يدم بقاؤه في السجن طويلا ، فقد جاء البعض لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وشفعوا فيه ، كي يطلق سراحه بعد أن يتوب ، ويأخذ عليه عهدا بألا يهجو أحدا .

أمر أمير المؤمنين عمر ، بأن يأتوا به من سجنه ، فلما جاءوه به ، ألقى قصيدة يستعطف بها أمير المؤمنين عمر ، على أطفاله الصغار ، وأنه تركهم من غير عائل كالأفراخ الصغيرة ، وسأله أن يمنن عليه بإطلاق سراحه ، فبكى أمير المؤمنين عمر ، إشفاقا على أطفاله .

وقيل أن أمير المؤمنين عمر أراد قطع لسانه ، كي لا يهجو الناس ، فأجلسه على كرسي ، وجيئ بالموسى ليقطع لسانه ، فقال الناس : لا يعود .. لا يعود إلى ذلك يا أمير المؤمنين ، ثم أشاروا إليه : قل لا أعود .

أطلق عمر سراح الحطيئة ، بعد أن استتابه ، وأخذ عليه عهدا ألا يهجوا الناس أبدا ، ونصحه أن يهجر الشعر لأن أشعاره هجاء للمسلمين وخوض في أعراضهم ، فقال الحطيئة : لا أستطيع .

سأله عمر : لماذا ؟
فقال : هو مأكلة عيالي ، وعلة لساني ، أي إن الشعر مصدر رزقه ورزق أولاده ، وأنه كالمرض أصاب لسانه ، لا يملك لنفسه منه شفاء .

قال له أمير المؤمنين عمر : دع المِدحة المجحفة ، قال الحطيئة : وما هي يا أمير المؤمنين ؟
قال له : هي أن تقول بنو فلان أفضل من بني فلان ، ولكن امدح ولا تفضل أحدا عن أحد ، فال الحطيئة : أنت أشعر مني يا أمير المؤمنين .

مضى الحطيئة في طريقه ، وليته أدرك هو وغيره من الشعراء ، أن الشعر كلمة ، وفي الكلمة نجاة الإنسان أو إهلاكه .

قال رسول الله – صل الله عليه وسلم : " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم " .