1- الأم:
لو سَئِمَتِ الظلامَ
روحُكِ المُتعَبة،
ذاتَ ليلةٍ؛
وودَدتِ احتضاني،
كما الأيام الخوالي
يا أمي العزيزة...
فربّما لن تعرفي ابنكِ
الآن!
لربّما ستقولين:
هذا الولدُ المُشاكِس
كان يقطعُ الماءَ عن الأسماك!
كان يكسرُ الأبواب والنوافذ،
يتسلق الحيطان،
ويمزّق ملابسه!.
أيا أمي العزيزة
لم أعُد طفلاً، لأشاكِس!
وحتى لو شاكستُ؛
فلن أقذفَ العصافيرَ بالحجارة،
ولن أشجَّ رؤوس المارة،
ولن أرميَ حجراً
على بابِ الجيران!
ولن ألاحِق طائرة ورقية
مِن سطح إلى سطح!.
لن أسرق الجوز والعسل لأولاد الحارة
مِن بيت المونة،
ولن أشعل ناراً
أمامَ بابِ الدار،
ولن أعارك الصبيان.
حتى لو شاكستُ اليوم؛
فأنا مختلفٌ عَمّا مضى!
الحجرُ الذي
كنتُ أقتلُ بهِ عصفوراً،
أرميهِ الآن
نحو عين العدو!.
أيّامَئذٍ
كنتُ أحبّكِ وحدكِ؛
الآن كبرتُ يا أماه
وأعشقُ أشجارَ وحِجارَ هذا الوطن،
وثلوجَ القِمَم، والشمس.
أنـّى وجدتِ شاعراً مُتعَباً،
في الجنة أو في الجحيم،
يحملُ وطنه في قلبهِ؛
فقبِّليهِ كفاية ً
يا أمي...
فهو ولدكِ...
إنه... أنا!.
2- قلبي يُمطرُ شِعراً:
لا يهمّني
في هذه المدينة الضيقة
أغادَرتُ مُبكراً
أم متأخراً!
لستُ مهتماً
أنمتُ في ظلِّ ليلِ شارع ٍ
أم في غرفةِ فندق؛
فأنا وحيدٌ دوماً،
لا أمَّ لي
يغتمُّ قلبُها لأجلي،
ولا حبيبة
يصدأ قلبُها
في انتظاري!.
قلبي مُنفطِرٌ
كأكُفِّ القرويين الفقراء،
بدلاً من الألم
يُمطِرُ شِعراً!.
3- أيا أمي العزيزة:
أيا أمي العزيزة...
أتبعُكِ
كما الكلابُ تتبعُ
رائحة الخبز الساخن
واللحم؛
كما الشِعرُ يتبعُ
قلبي،
وكما يتبعُ المُخبرون
الشاعر!.
4- النجمة البعيدة:
أيتها النجمة البعيدة
خذيني معكِ... حتى الصباح
لن أسرق أشعتكِ،
لن أبكي،
لن أضحك،
لن أقتل عصافيرَ غاباتكِ،
لن أخفي بذار القنابل
تحت قدميكِ،
ولن أكشف أسراركِ
للعلماء!
فأنا لا أمَّ لي
ولا حبيبة
لأحدثهما عن حدودكِ.
ألا خذيني معكِ،
أيتها النجمة البعيدة؛
لأنظر قليلاً
مِن تلك العَلياء
إلى قِمم وطني البعيد!.
5- سأذهب:
سأذهبُ... أماه
فإن لم أعُد،
سأصيرُ وردة ً في ذاكَ الجبل.
سأذهبُ... أماه
فإن لم أعُد،
سأصيرُ قنبلة ً
في أيِّ أرض ٍ يحكمها ظالم!
سأذهبُ... أماه
فإن لم أعُد،
سأصيرُ شبرَ أرض ٍ
لدُنيا أكبر من هذه!
سأذهب... أماه
فإن لم أعُد،
ستصيرُ روحي عاصفة ً
تطرق كل الأبواب
بحثاً عنكِ!
سأذهبُ... أماه
فإن لم أعُد،
فروحي كلمة ٌ
لكل شاعر شجاع!.
6- بداية قصيدةٍ ضائعة:
أماه... أماه
أكملي لي
قصيدة ً لا تأتيني!
صيغي لي
بداية أغنيةٍ طويلة
كشعر معشوقتي!.
أماه... أماه
لو قيدوني آلافَ السنين،
وحرثوا جسدي بالسكاكين،
ثم أطلقوني للحظة؛
لقصَدتكِ من آخر الدنيا!
ولو منعوا الكلام
كالمُخدِّرات
لآلاف السنين،
وأطلقوا لساني
للحظة؛
لكلـَّمتكِ... قبل أيِّ أحد!.
7- قصيدة ضاعت بدايتها:
أماه... أماه
قتلوا مُحَيّاكِ
وسكبوا بيننا
صحراءَ آلام ٍ!
أماه... أماه
كل يوم ٍ
أكتبُ لكِ قصيدة ً
تذوبُ
ويتدفقُ الحُزنُ
مِن مَوج كلماتِها
وهي تشدو لي.
كنتُ أخشى الحُزن
في ما مضى؛
لكنني الآن
كلما أحسُّ بالوحدةِ
أتلهفُّ لعودةِ الحُزن
ليغنّي لي!.
لو استطعتُ
لوضعتُ جراحي بين مخالب الذكرى؛
لوهبتها لتلك العيون
الجميلة كليل القرية!
لو استطعتُ
لكتبتُ لكِ، أمامَ عتبةِ مدينةِ الآلام
على شاخصةِ جراح آلافِ العشاق
... مثلي!
ترنيمة ً مهمومة!.
8- أكبرُ جُرح:
حين ماتت أمّي...
لا النجومُ تساقطت
ولا الأسماكُ ارتحلت!
حين ماتت أمّي...
لم تدمع عين السماء
ولم يتملك الحُزن ُ
طائراً
ولا وردة ً في أحضان السفوح!
حين ماتت أمّي...
لا القمرُ خُسِفَ
ولا الشمسُ كُسِفَتٍ!
ولا مَلاكٌ
أوقدَ سِراجاً عند رأسِها!
حين ماتت أمّي...
بقيَتِ الأرضُ كحالِها؛
لكن... في داخل قلبي
فُتِحَ بابٌ قديم
لأعمق جُرح!.
أواه... يا أمّي العزيزة
فراقكِ صعبٌ جداً؛
ليس كمِثل حرقة الظمأ،
ولا كحَردِ وزعلِ الحبيبة!
في بعادكِ... أحسُّ بفراغ كبير؛
حُزني كمثل "هلكورد"
يجثم على كاهلي!.
لو شعَّ نورٌ
ذاتَ ليلةٍ
مِن كُتَل ترابِ الضريح،
وبدَّدَ الظلام؛
فلا تظنيهِ شمعة ً!
إنه أنا...
أحترقُ لأجلكِ!.
أيا أمّي العزيزة
أقولُ للسكاكر: سكاكر
وللجُرح: جُرح
وللوردةِ: وَردة
لكن... أمّاه
لِمَن أقول،
وإلى الأبد،
يا... أمّي!.
9- نجمة:
كلُّ النجوم ِ الهاجرةِ
عادَت
وحطت على زجاج النوافذ،
وعشـَّشت هناك؛
ما عَدا نجمَتي!
أين أبحثُ عنها؟
في أيِّ غابةٍ،
أيِّ قريةٍ،
أيِّ تلةٍ،
أيِّ طريق؟!.
أواه، ما أشدّ خشيَتي
أن تضيع نجمتي
كما ضاعت... أمّي!.
المفضلات