الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله أجمعين, أما بعد
عباد الله فإن إنكار المنكر من محاسن دين الإسلام وقد امتدح سبحانه وتعالى هذه الأمة بقيامه به فقال الله تعالى: ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )) ولكن ليس الحاكم كغيره في هذا الباب, مما وفق له أهل السنة وضل عنه الخوارج طريقة الإنكار على الحاكم مما لا يفتح باب فتنة وشر على المسلمين, وذلك أن ينصح الحاكم سرآ فيما صدر عنه من المنكرات ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس لما ينتج عن ذلك من تأنيب العامة وإثارة الرعاع وإشعال فتيل الفتنة, والإنكار العلني على الحاكم ليس دأب أهل السنة والجماعة بل سبيلهم ومنهجهم جمع قلوب الناس على ولاتهم والعمل على نشر المحبة بين الراعي والرعية والأمر بالصبر على ما يصدر من الولاة من الاستئثار بالمال أو ظلم للعباد مع قيامهم بمناصحة الولاة سرآ والتحذير من المنكرات عمومآ أمام الناس بدون تخصيص فاعل كالتحذير من الزنا والربا والظلم ونحوه ذلك بالعموم, وقد بينت لنا السنة الغراء كيفية الإنكار على الحاكم وأن يكون ذلك سرآ دفعآ للمفسدة ومن ذلك كما جاء في الحديث أن عياض بن غند جلد صاحب دارآ حين فتحت؟؟؟ فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض ثم مكث ليالي فأتاه هشام بن حكيم فأعتذر إليه ثم قال هشام لعياض ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( أن من أشد الناس عذابآ أشده عذابآ في الدنيا للناس )) فقال عياض بن غند يا هشام بن حكيم قد سمعنا ما سمعت ورأينا ما رأيت أو لم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبدي له علانية ولكن ليأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وألا كان قد أدى الذي عليه )) وأنك يا هشام فأنته لجرئ إذ تجرئ على سلطان الله فهلا خشيت أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله تبارك وتعالى ), ولو أن الدعاة المخلصين أخذوا بهذا الأصل بالنصيحة سرآ للولاة لأصلح لهم الحكام وكان أدعى لإخلاصهم, وأنته ترى أن عامة الناس يغضبون إذا نصحوا علنا فكيف بالحاكم, وما سد الشارع الإنكار العلني على السلطان إلا لما ينتجه ذلك الفتن والفساد وقد جاء في البخاري ومسلم أن اسامة بن زيد رضي الله عنه قيل له ألا تدخل على عثمان لتكلمه قال أترون ألا أكلمه حتى أسمعكم والله لقد كلمته بيني وبينه, ما دون أن أفتح أمرآ لا أكون أول من فتحه, قال أهل العلم: ( مراد اسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك بل يتلطف به وينصحه سر فذلك أجدر بالقبول ولما فتحوا الشر في زمن عثمان رضي الله عنه وأرضاه وانكروا عليه جهرتآ نشأ عن ذلك قتله ونمت الفتنة والقتل والفساد والذي لا يزال الناس في أثره إلى اليوم, ومن تأمل هذه النصوص علم أن الإنكار العلني على السلطان مقدمة للخروج عليه وباب من أبواب الفتنة الصماء العمياء, وقد خالف بعض الوعاظ والقصاص من مروجي فكر الخوارج في هذا العصر والمتصدرون للدعوات السياسية, في هذا الأصل الإسرار النصيحة للسلطان وباتوا يهيجون الشباب على الخروج ويزينونه لهم ويحيكون في ذلك القصص الملفقة ويتلمسون الروايات الضعيفة لنصرت مذهبهم الخارجي الغالي المتشدد, قال ابن العثيمين رحمه الله: مخالفة السلطان في ما ليس من ضروريات الدين علنآ وإنكار ذلك عليه في المحافل والمساجد والصحف ومواضع الوعظ وغير ذلك ليس من باب النصيحة في شئ ),,,,,, فلا تغتر فيما من يفعل ذلك وإن كان عن حسن نية فإنه خالف ما عليه السلف الصالح المقتدى بهم
الشيخ سالم العجمي
من ضمن خطبة النعمة الكبرى
والله الموفق
المفضلات