هل تعاني كثيرا لتستطيع أن تنام ؟ هل تشعر بأن عينيك تغمضان وحدهما طيلة النهار من دون أن تتمكن من منع ذلك ، لكن ما يحدث في الليل هو العكس ؟
إن كان وضعك كذلك ، فسينتهي بك الأمر لتكون واحدا من عدد كبير جدا من الناس الذين يشتكون دوما من الإرهاق والخمول ، فهل من تفسير وحل لهذه المعضلة ؟
يوما بعد يوم نسمع إن عدد الذين لا ينامون بشكل جيد ، أي ما بين 6 ساعات على الأقل إلى 9 ساعات يزداد للأسف ، فتجد أن بعض الأفراد قد يأخذون إجازة لأنهم لم يناموا جيدا في الليل ، وترى من يغفو من الموظفين وهو على مكتبه ، بينما آخرون ، وهم كثر يشعرون بالتعب والإرهاق طيلة اليوم .
بالنسبة للخبراء في النوم ، فإن هذه المشكلة تزداد سوءا ، فنحن إما نحصل على ساعات قليلة فقط من النوم ، أو أن جودة النوم لدينا سيئة .
وما يحصل أنك وبدلا من مواجهة هذا الأمر ، تتجاهل ما يحصل وتأثيره ، وتفكر فقط في النوم ولو لوقت قصير لتكمل يومك ما يدخلك في دوامة من التعب الذي لا ينتهي .
النوم هو الحقيقة أحد الأمور المهمة والأساسية في حياتنا ، فتأثيره يطال الذاكرة ، الحالة المزاجية ، الخصوبة ، المناعة ، عملية الأيض في الجسم ، الوزن ، والأمراض كالسكري ، ضغط الدم المرتفع ، والسكتة الدماغية .
الحيز الأكبر من المشكلة يكمن في طبيعة العمل في أيامنا هذه ، فمعظمنا يعمل لساعات أطول ، ويعود إلى بيته في وقت متأخر ، وهكذا نضطر للأكل في وقت متأخر أيضا ، نشاهد التلفاز ، وبالطبع نتصفح مواقع التواصل الإجتماعي ، وعندما نقرر أن ننام ، نغمض أعيننا ، لكن لا ننام بسرعة فالدماغ يحتاج إلى وقت لنثبط نشاطه تدريجيا ، والنتيجة ، لم يتبق إلا بضع ساعات للفجر .
عوائق القدرة على النوم :
التحفيز الزائد :
ليس فقط عملنا هو ما نرتبط به بشكل دائم ، فالإرتباط المفرط بوسائل التكنولوجيا الحديثة في أيامنا هذه يؤثر أيضا بشكل سلبي على قدرتنا على النوم ، ما يعني أن دماغنا مشغول دائما ، فمثلا أي صوت يصدر عن هاتفك سواء صوت المنبه أو مكالمة أو رسالة أو غيرها يعني أن جسدك عندما يستجيب لتلك الأصوات فإنه ينتج " الدوبامين " ، وهو عبارة عن مادة كيميائية لها دور في تحفيز الذاكرة المرتبطة بتخزين المعلومات قصيرة المدى ، وبالتالي هذا يحفزنا ويمنحنا الطاقة حيث يشكل ذلك عندئذ عائقا بالنسبة للنوم بشكل سهل .
الإضاءة الزائدة :
إن الخلايا المستقبلية للضوء تكشف عن كمية الضوء المحيط بنا ، فإن كان هناك المزيد من الإضاءة ، تنبه تلك الخلايا جسدنا بأن وقت الاستيقاظ قد حان ، وهنا يبدأ الجسم في إفراز هرمون الاستيقاظ " الكورتيزول " ، في حين يتم تثبيط إنتاج هرمون النوم " الميلاتونين " ، فإن كنت تستخدم أي شاشة ساطعة الضوء في وقت متأخر من الليل ، سيفهم جسدك أنك لا تزال في وقت النهار ، وهو ما يجعل مسألة النوم صعبة ويقلل مستويات هرمون الميلاتونين بنسبة 25% تقريبا ، أما النتيجة فهي مواجهة صعوبة كبيرة في القدرة على العمل ، والعصبية والتوتر .
الكثير من المهام :
هناك جانب آخر بالنسبة للمعاناة الدائمة أو شبه الدائمة من التعب ، وهو أننا نريد إنجاز كل شيء ما يثير مشاعر الخوف من عجزنا عن تحقيق ذلك ، وهو ما يؤدي بالتالي إلى إفراز المزيد من هرمون التوتر " الأدرينالين " .
وبدلا من إيجاد حلول جذرية للمشكلة ، نجد أنفسنا نبحث عما يزيد مستويات طاقتنا كتناول كوب من القهوة مثلا ، أو أحد مشروبات الطاقة لنستطيع إكمال يومنا ، لكن بالنتيجة فإن لذلك تأثيرات سلبية في القدرة على التركيز والتذكر ، وأيضا ومع تدفق هرمون الأدرينالين ، يعمل الدماغ بطريقة خاطئة مستخدما الجزء الذي يتعامل مع مسألة البقاء على قيد الحياة ومواجهة التهديدات بدلا من التعامل العواطف والقدرات الذكية ما يعيق بالتالي قدرتك على إتخاذ القرارات السليمة ، وعندما يحين موعد النوم ، نكون مضطرين بالطبع بعد الضغوطات التي تعرضنا لها في النهار فيكون نومنا سيئ ، وهكذا يبدو الأمر وكأننا ندور في حلقة مفرغة .
إجراءات فعالة : إن معدل عدد ساعات النوم اللازم للبالغين خلال الليل يجب أن يكون ما بين 7-8 ساعات ، لكن السؤال الذي يجب أن تسأله لنفسك هو : هل تستيقظ نشطا في الصباح وتشعر بأنك جاهز للعمل بقية يومك ؟
إن كانت الإجابة " لا " فإنك تحتاج عندئذ لإعادة النظر في جودة نومك ، فمجرد تحسن بسيط في نومك سيؤدي إلى حدوث إختلاف واضح إيجابي على حياتك .
فيما يلي بعض الخطوات البسيطة التي يمكن أن تجعلك تنعم بنوم هانئ :
أغلق أي أجهزة إلكترونية :
ينصح الخبراء في النوم بإطفاء أي جهاز إلكتروني قبل 60-90 دقيقة من موعد النوم ، لكن بالنسبة للتلفاز يمكنك مشاهدته على أن تتوقف عن ذلك قبل نصف ساعة تقريبا من موعد نومك .
إجعل غرفتك خالية من وسائل التكنولوجيا ، ولا تستخدم منبه هاتفك أن ذلك قد يغريك بتصفحه ، وضع منبها عاديا بدلا منه .
غيّر من بعض عاداتك :
قلل استهلاك الكافيين ، فإن كنت معتادا على شرب القهوة لا تستهلك أكثر من كوبين أو ثلاثة في اليوم .
لا تقم بأي نشاط أو عمل قبل ساعتين من موعد نومك ، خفف الإضاءة ، ارتد بيجامتك ، نظف أسنانك ، واقرأ في كتاب تحبه .
مثل هذه الطقوس ترسل رسالة واضحة إلى جسدك ليبدأ الاسترخاء استعدادا للنوم .
تناول فطورك في وقت مبكر :
تظهر الأبحاث أن تناول شيء ما من الطعام بعد نصف ساعة من الاستيقاظ تقريبا يقلل اعتمادك على تناول الكافيين ، وهذا سيساعد جسدك على إنتاج المزيد من هرمون الميلاتونين خلال النهار ، وهو ما سيجعلك تنام بصورة أفضل في الليل .
إحرص على استهلاك الأصناف الجيدة من الغذاء التي تمنحك الطاقة كتناول بيضة مع قطعة " توست " والقليل من المكسرات .
في المساء ، تجنب استهلاك الأطعمة التي تحفزك وتزيد نشاطك كالشوكولاتة التي تحتوي على الكافيين ، أو الأنواع الحارة التي ترفع درجة حرارة الجسم فتعيق القدرة على النوم .
كذلك تجنب تناول الأطعمة الغنية بالدهون في المساء لأنها من الأنواع صعبة الهضم .
أما الأصناف الجيدة والتي يمكن أن تتناولها في المساء فهناك مثلا سمك السالمون ، اللوز، الزبادي ، والخضروات الورقية الخضراء الغنية بالماغنيسيوم الذي يساعد أيضا على الإسترخاء والنوم .
لا تحارب نفسك :
كلما حاربت وتحديت نفسك في محاولة منك لتنام كانت النتيجة أن ستشعر بالنشاط والاستيقاظ أكثر ، لذلك اقبل بالأمر الواقع ، وبدلا من التركيز على أنك لا تستطيع أن تنام ، ركز على سريرك نفسه ، وعلى غطائك وكيف يلامس جسدك ، ثم ركز على تنفسك ، وشيئا فشيئا ستشعر بالاسترخاء وستكون قدرتك على النوم أسهل .
جرب التأمل ، أو " أحلام اليقظة " :
عندما نحلم بما يسمى أحلام اليقظة ، فإن موجات " بيتا " التي يتم إنتاجها في حالة اليقظة يجري استبدالها بموجات " ألفا " الأكثر بطأ ما يجعلنا في حالة إسترخاء ، وقد بينت الدراسات أن الأشخاص الذين يقومون بالتأمل لمدة 10 دقائق في اليوم على مدى ثمانية أسابيع يقللون عمل الأجزاء المرتبطة بالتوتر والقلق في الدماغ .
من هذا المنطلق ، حاول إيجاد مكان هادئ ، إجلس بشكل مريح بحيث يكون جذعك متوازنا ما يساعد العمود الفقري على دعم وزن جسمك من منطقة الخصر إلى الأعلى .
اغلق عينيك وركز على تنفسك ، أو على شيء ما كصورة أو زهرة مثلا ، أو ببساطة انظر من النافذة واحلم خلال تلك الفترة من النهار بعطلة ممتعة ، أو نجاح ما تتمنى تحقيقه في المستقبل .
خذ فترات استراحة من وسائل التكنولوجيا :
كل 90 دقيقة ، ابتعد عن شاشة الكمبيوتر ، تجول قليلا في مكان عملك ، تحدث مع أحد زملائك ، اشرب كوبا من شاي الأعشاب ، فهذه الطريقة تنقلك من حالة الإستخدام للجهاز العصبي الودي المليء بهرموني التوتر الأدرينالين والكورتيزون إلى حالة استخدام الجهاز السمبتاوي الذي يمنحك الفرصة للإسترخاء .
تخلص من فكرة القيام بكل شيء :
نحن نضع أنفسنا تحت وطأة ضغط نفسي وجسدي شديد لأننا نريد إنجاز كل الأمور معا ، وهذا غير صحيح ، إسأل نفسك عندما تكون متعبا : هل يمكن تأجيل أمر ما من الأمور المطلوبة منك ، وستجد أنه يمكن ذلك فعلا ، فهناك في النهاية أولويات ، وهناك أمور يمكن تأجيلها ، وهذا بالنتيجة سيخفف توترك خلال النهار ويساعدك على النوم بسهولة أكبر خلال الليل .
المفضلات