خلق بين خلقين


اعلم أن كل محمود مكتنف بين ذميمين،وهو وسط بينهما،وطرفاه خلقان ذميمان،

كالجود:الذي يكتنفه خلقا البخل والتبذير،

و
التواضع :الذي يكتنفه خلقا الذل والمهانة،والكبر والعلو.


فإن النفس متى انحرفت عن (التوسط) انحرفت:
إما إلى كبر وعلو،وإما إلى ذلة ومهانة وحقارة،

وإذا انحرفت عن خلق( الحياء)انحرفت:
إما إلى قحة وجراءة،وإما إلى عجز وخور
ومهانة،
بحيث يطمع في نفسه عدوه، ويفوته كثير من مصالحه،
ويزعم أن الحامل له على ذلك الحياء، وإنما هو المهانة والعجز، وموت النفس
.


وإذا انحرفت عن خلق(الصبر المحمود) انحرفت:
إما إلى جزع وهلع وجشع وتسلط،
وإما إلى غلظة كبد،وقسوة قلب،وحجرية
الطبع.



وإذا انحرفت عن خلق (الحلم) انحرفت:
إما إلى طيش والترف والحدة والخفة،
وإما إلى الذل والمهانة والحقارة،وفرق بين حلم المهانة وحلم اقتدار وعزة وشرف .



كل حلم أتى بغير اقتدار........................ حجة لاجئ إليها اللئام.

وإذا انحرفت عن (اﻷناة والرفق) انحرفت:
إما إلى عجلة وطيش وعنف،وإما إلى تفريط وإضاعة .



وإذا انحرفت عن(العزة) التي وهبها الله للمؤمنين،انحرفت:
إما إلى كبر وإما إلى ذل.والعزة المحمودة بينهما.


وإذا انحرفت عن(الشجاعة)،انحرفت:
إما إلى تهور وإقدام غير محمود،وإما إلى جبن وتأخر مذموم.


وإذا انحرفت عن(المنافسة في المراتب العالية والغبطة)انحرفت:
إما إلى حسد وإما إلى مهانة،وعجز وذل ورضى بالدرن
.



وإذا انحرفت عن (الرحمة) انحرفت:إما إلى قسوة،وإما إلى ضعف قلب وجبن نفس،
كمن لايقدم على ذبح شاة ،ولا إقامة حد ولا تأديب ولد.

ويزعم أن الرحمة تحمله على ذلك،وقد ذبح أرحم الخلق بيده في موقف واحد ثلاثا وستين بدنه
وأقام الحدود،وكان أرحم خلق الله على اﻹطلاق وأرأفهم
.





وكذلك طلاقة الوجه،والبشر المحمود،فإنه وسط بين التعبيس والتقطيب،
وتصعير الخد،وطي البشر عن البشر،وبين الاسترسال مع كل أحد بحيث يذهب الهيبة،
ويزيل الوقار،ويطمع في الجانب

وقس على ذلك بقية الأخلاق.

صاحب الخلق الوسط:مهيب محبوب،عزيز جانبه،حبيب لقاؤه،
وفي صفة النبي (
من رآه بديهة هابه،ومن خالطه عشرة أحبه).
---------------------------

البشر:من بشر فلان بوجه حسن:أي لقيه وهو حسن البشر أي طلق الوجه .

مدارج السالكين
ج3(2
193، 2197)