إنجازات النهضة تمتد بمشروعات الطرق والإنارة والمياه وخدمات أخرى -
كتب - هلال بن محمد السليماني -
مكنونات الوطن متوزعة في كل زاوية وركن عبر مساحات عمان الشاسعة وجغرافيتها الممتدة سهلا وجبلا والصعود إلى الجبل الأخضر هي رحلة لاستكشاف هذا الوطن الذي لم يبح بأسراره بعد ولم تأت اللحظة لتقول الأمكنة كلمتها الأخيرة حتى يبقى للراحل فضول الاستكشاف ومتعة الزيارة. من بركة الموز وتحديدا من سوقها ومن جانب ساقية فلج الخطمين المتمدد ليمنح بساتين النخيل الروح وسر البقاء من هناك تتجه مرورا بمسجد اليعاربة وبيت الرديدة الحضور الكثيف للتاريخ امتزاج بين جمال الطبيعة وسحر التراث وروعة المشهد حين يصادفك الجبل ومجرى وادي المعيدن تسلك بسيارتك ذات الدفع الرباعي مارا ومودعا بركة الموز نحو الجبل الأخضر طريقا معبدا على مقاييس الجودة للطرق الجبلية بأكتافه وجسوره ومعابره والحمايات وأعمدة الإنارة ونظم السلامة والأمان حيث تتم حاليا إعادة تأهيله بأمان أكثر من خلال إحداث مساحات أوسع عند المنحنيات ووضع مواقف أمان لاستيعاب الحركة المتزايدة وخاصة في فصل الصيف وحركة السياح صعودا ونزولا. كما يتم كذلك مد خط أنابيب المياه إلى الجبل ليغذي القرى والبلدات ومنازل المواطنين هناك بمياه محلاة من محطة التحلية ببركاء.
رحلة في جغرافيا الوطن, الصعود يبدأ ودرجة الحرارة تتقهقر أمام تيارات الهواء البارد التي تنعش المكان مستقبلة الزائر طول الطريق الممتد (سبعة وثلاثين كيلومترا) من بركة الموز إلى قرية سيق التي يتردد ذكرها يوميا على لسان قارئ النشرة الجوية وكأنها تعيش خارج جو عمان الحار صيفا فدرجة حرارتها في العشرينات في هذه الفترة من العام, إذا أردت ضبط ساعتك فإنك لن تأخذ منك الطريق أكثر من أربعين دقيقة رحلة تكتشف جانبا من سحر الطبيعة الجبلية في عمان تمر على القرى والتجمعات السكانية الجبلية متوزعة هنا وهناك وكأنها تحرس المكان شجيرات العلعلان والعتم (الزيتون البري) ونباتات الشوع والقفص تنضح برائحتها الزكية المكان, ليمتزج الهواء العليل بالصور البديعة بالرائحة المنعشة التي تنشرها أشجار الجبل المثمرة البرية والعطرية منها بشكل خاص مشاهد قلما تتحد معا في مكان واحد.
قرية الجوز (المناخر)
وقبل أن تصل إلى قرية سيق تنعطف يمينا لتشهد جانبا من مكنونات الجبل الأخضر قرية (المناخر) المستلقية في أحضان الوادي الممتد نزولا والمشرفة على ولاية إزكي بداية مجرى وادي حلفين تمر عبر الطريق المؤدي إلى القرية وتعبر الجسر الحديدي إلى أعماق المكان ومفرداته من الحارة القديمة ببيوتها التي تشكلت من جغرافية المكان وتضاريسه. الصخور تتحدث كأنها لغة المكان الأجداد نسجوا منها بيوت أحلامهم وأمانيهم.
في طريقنا إلى المكان مررنا على الأطفال بائعي البوت يلوحون بأيديهم للمارين وكأن الزيارة لهم وحدهم, بادلناهم التحية وواصلنا الصعود إلى قرية (المناخر) ومنها إلى الوادي المار عبرها نحو السحاماه (حلفين) المتمدد كالتنين على صخور الجبل المتربص لنزول الغيث ليملأ المكان بالخصب والكلأ. حدثني أحد أصحابي بأن هذا المجرى المتواصل نزولا إلى سفح الجبل جهة ولاية إزكي و(السحاماة) سلكوه مع مجموعة من الشباب سيرا على الأقدام صعودا واستغرقت الرحلة نحو أربع ساعات مع ما تخللها من مواقف لا تزال في الذاكرة وخاصة عندما تاه أحد رفاقه في متاهة لم يستطع الخلاص منها إلا عبر (المنقذ) وهو أحد رجال الجبل العارفين بمسالكه ودروبه. جلسنا لفترة نستمتع بجمال الوادي تحت شجرة من أشجار الجوز التي يحفل بها هذا المجرى وتكسو المكان بظلالها الوارفة والماء ينساب في جداوله وحصاه تدغدغ الأرض وتمسح عن المكان وعورة الصخور ونتوءات الجبل إنها (الهارموني) التناغم الذي نبحث عنه. قفلنا راجعين إلى الشارع الرئيسي مودعين واحدة من قرى الجبل الأخضر ثم إلى أعلى الجبل وقرية (سيق) ومنها إلى (سيح قطنة) حيث المؤسسات والدوائر الحكومية قد اتخذت من المكان مكانا لها تقدم خدماتها للمواطنين. في المساء توجهنا إلى منطقة الحيل أعلى قرى الجبل.
واحات الجوز والمشمش والخوخ
ألقينا عصا التسيار وهممنا بقضاء ما تبقى من نهار ذلك اليوم في تلك المتاهة الجبلية بين الصخور والأشجار ودرجة الحرارة تنخفض شيئا فشيئا حتى أيقظنا نسيم الهواء البارد عند الأصيل ليؤذن فينا بالرحيل حتى لا نصاب بصدمات البرد التي لم نكن نتوقعها ولم نعد العدة لها. استأنفنا رحلة الاستكشاف في الجبل مرورا بقرية (الشريجة) حيث البيوت المتناغمة الجديد بالقديم وبساتين الخوخ والمشمش والرمان وكرمات العنب متوزعة في بساتين القرية ومدرجاتها المنزوية عند مرتفعات قرية الشريجة وقرية (القشع) التي تستقر في قعر المكان ألقينا النظر عليها ونحن نعبر عبر الساقية الممتدة إلى قرية العين الأطفال والشيوخ يزاولون نشاطهم اليومي هنا لعب وهناك ري للمزروعات وعيون أخرى تراقب المكان (الصوار) مهنة ما زالت موجودة في الجبل إنه الحارس على أشجار الجوز والمشمش والخوخ من عبث العابثين. لم نستطع الوصول إلى قرية العين في أعلى المكان عدنا إلى سيارتنا لنلتف على المكان ونصل إلى (العين) من الجهة الأخرى لنشهد صورة أخرى من صور المشهد الجبلي من هنا تتدفق المياه لتسقي البساتين أشجار الرمان والخوخ والمشمش والجوز تملأ المكان الثمار لا تنقطع في موسم الصيف أما أشجار الورد فإنها تجود بوردها ورائحته في فصل الشتاء مواعيد يعرفها الأبناء من آبائهم إنها خبرة المكان. من هناك تواصل مسيرك إلى وادي بني حبيب المكان امتدت إليه يد البناء والتعمير من قبل وزارة السياحة لتهيئته للزائرين واجهة المكان والسلم الذي يصلك إلى أسفل الوادي المكتظ بأشجار الجوز والمشمش درجات السلم الأسمنتي تصل إلى نحو مائة وخمسين درجة يصيبك الإعياء نزولا وصعودا لكن روعة المكان تمسح حبات العرق التي قد تتساقط رغم برودة المكان هانحن قد زرنا أعلى أماكن الجبل الأخضر في منطقة الحيل حيث تعتبر النقطة الأعلى في الجبل الأخضر مساحات ممتدة من الأراضي والصخور والانحدارات ومجاري الأودية والأشجار امتزاج لكل المفردات البيئية.
منقول من جريدة عمان
المفضلات