بعنوانالحدود العُمانية – اليمنية .. دراسة تاريخية في العلاقات الثنائية)
باحث عماني يحصل على الدكتوراه بدرجة الامتياز من جامعة محمد الأول المغربية
باتميره : الرسالة هدفت إلى دراسة تطور العلاقات التاريخية والسياسية وفوائد وإيجابيات اتفاقية الحدود بين البلدين
حصل الباحث احمد بن سالم باتميرة على الدكتوراه بدرجة الامتياز من جامعة محمد الاول بكلية الاداب والعلوم الانسانيه في وجده المغربية. بعنوانالحدود العُمانية – اليمنية .. دراسة تاريخية في العلاقات الثنائية والانتقــال من الصراع الى التعـــاون 1967 – 1994).
وقد اشرف على الرسالة الدكتور/ نور الدين المودان عميد كلية الاداب بجامعة محمد الاول في وجدة المغربية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف .
وتكمن اهمية الرسالة في أن السلطنة والجمهورية اليمنية بلدان جاران في المقام الاول ومرا خلال المرحلة المذكورة بعلاقات متغيره بين مد وجزر وعلاقات غير مستقرة، وبعد توقيع اتفاقية الحدود المشتركة عام 1992م، شهدت العلاقات العمانية اليمنية تطوراً كبيراً على كافة المستويات والاصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية خاصة وانها تعتبر علاقات تاريخية عاشها الشعب العماني واليمني عبر حقب التاريخ المتتابعة وليس هذا بغريب ولا جديد، فروابط ووشائج قوية تربط بين أبناء الشعبين، وهي روابط عميقة وواسعة وتعبر عن مصالح مشتركة وتاريخية.
وعمان واليمن يحتلان موقعاً استراتيجياً شديد الأهمية وهما مضيق هرمز ومضيق باب المندب وحركة التجارة العالمية تمر عبر هذين المنفذين، والدولتان الجارتان (صاحبتا حضارة وتاريخ) شهدت كل منهما في فترة من تاريخهما عزلة كبيرة عن العالم الخارجي، فسلطنة عمان عاشت عزلة شبه كاملة وتخلف رغم حضارتها وتاريخها العظيم آنذاك، حتى أنبلح فجر نهضتها الحديثة في 23 يوليو 1970 عندما قام جلالة السلطان قابوس بن سعيد بتولي الحكم وبانتهاج سياسة متوازنة ومتفتحة وأظهر كفاءة عالية في الحكم وقدرة عسكرية كبيرة في قيادة السلطنة للبناء والرخاء والأمن والاستقرار ، ومن ثم شهدت البلاد نهضة شاملة حديثة في كافة الميادين.
كذلك الحال بالنسبة لليمن، إذ بعد العزلة التي عاشتها لسنوات طويلة جاءت ثورة 26 سبتمبر 1962 في اليمن الشمالي واستقلال اليمن الجنوبي في 30 نوفمبر 1967، ثم جاء يوم 22 مايو 1990 يوم إعادة توحيد اليمن، ليشهد اليمن وشعبه نقلة كبيرة للإمام..
وبالرغم من سنوات العزلة لسلطنة عمان قبل عام 1970 إلا انه منذ عام 1970 لعبت سلطنة عمان دوراً نشطاً ومؤثراً في محيطها الخليجي والعربي ، وهو ما عبر عن نفسه بوضوح وعلى سبيل المثال في العلاقات العمانية اليمنية والانتقال بها عبر سنوات معدودة من حالة المواجهة والصراع المسلح بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية – اليمن الجنوبي – في ستينات وسبعينيات القرن العشرين إلى الوفاق والتعاون خلال ثمانينات القرن الماضي ثم تكرس ذلك بعد الوحدة بين شطري اليمن في عام 1990 والتوصل إلى اتفاقية ترسيم الحدود العمانية اليمنية في أكتوبر 1992.
فعلاقات سلطنة عمان واليمن اليوم علاقات متينة وطيبة وفي أفضل حالاتها ، لاسيما بعد أن توج البلدان ذلك بالاتفاق التاريخي وتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود الدولية العمانية – اليمنية في الأول من أكتوبر 1992، والتي فتحت آفاقاً جديدة للعلاقات بين البلدين، من أبرزها الدور الذي لعبته وتلعبه السلطنة في الدفع بالجمهورية اليمنية بل وتشجيعها في الانخراط في عضوية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكذا قيام السلطنة بترشيح اليمن للانضمام إلى رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي، وهذا ما تم فعلاً، إذ حضرت اليمن اجتماعات الرابطة التي انعقدت في العاصمة العمانية مسقط في الثاني والعشرين من يناير 2000م.
وقال احمد باتميره : إن العلاقات بين السلطنة واليمن علاقات تاريخية موغلة منذ القدم، ومتأصلة بين الشعبين، وإذا كانت مكونات الأمة هي (اللغة والدين والجنس والتاريخ والوجدان المشترك) فكل هذه المكونات تتجلى وتنطبق على شعب السلطنة واليمن، وهي علاقات وثيقة عبر التاريخ.
وقد حبا الله السلطنة واليمن موقعاً جغرافياً حيوياً وهاماً، إذ أنهما يسيطران على السواحل الجنوبية لشبة الجزيرة العربية ويشرفان على بحار استراتيجية، واشتهر العمانيون واليمنيون بخبرتهم الطويلة في ركوب البحر وتجارته مما ساهم في تواصلهم السكاني والتاريخي،.
وأشار باتميره الى أن الرساله هدفت إلى دراسة تطور العلاقات التاريخية والسياسية بين سلطنة عمان والجمهورية اليمنية خاصة قضية الحدود بينهما وأثرها على التركيبة السكانية وفوائد وإيجابيات اتفاقية الحدود التي وقعت بين البلدين، كما تناولت مراحل العلاقات بينهما التي تراوحت بين مد وجزر، حتى جاءت اتفاقية الحدود عام 1992 لتعالج كيفية تحويل هذه الحدود إلى مناطق اتصال لا انفصال أو حروب، حدود يتم عبرها الآن التواصل التجاري والاجتماعي الدائم بين مجتمعين تربطهما كثير من الوشائج والأواصر المشتركة والقبائل الأسرية المتصلة.
وأضاف: كما تكمن أهمية الدراسة في وصول البلدين لاتفاق أخوي وسلمي انطلاقا من مبدأ (لا ضرر ولا ضرار) في وقت تعددت فيه النزاعات على الحدود بين دول الخليج وشبه الجزيرة العربية، وفي دول المغرب العربي، نتيجة للأرث الثقيل الذي خلفه الاستعمار لهذه الدول، ومن ثم فإن العلاقات بين سلطنة عمان والجمهورية اليمنية الآن تعد نموذجا رائعا لبلدين جارين بعد أن كانت بينهما مواجهات ومناوشات وعدم الاستقرار.
وفي هذا الإطار فإن دراسة تاريخ العلاقات العمانية اليمنية في مرحلتها الحديثة ، أي منذ أواخر الستينات من القرن العشرين حتى منتصف التسعينات تقريباً (1967-1994) يكتسب الكثير من الأهمية وذلك في ضوء ما يلي:
أولاً: إن دراسة هذه المرحلة من تاريخ العلاقات العمانية اليمنية من شأنه أن يكمل دراسات سابقة حول مراحل تاريخية سابقة للعلاقات بين سلطنة عمان والجمهورية اليمنية، ولأن هذه المرحلة المشار إليها (1967-1994) لم تحظ بقدر كاف من الاهتمام فإن من شأن هذه الدراسة أن تسهم في القاء مزيدا من الضوء عليها.
ثانياً: إن هذه المرحلة شهدت الانتقال بالعلاقات بين السلطنة والجمهورية اليمنية من النقيض إلى النقيض أي من حالة المواجهة المسلحة إلى حالة الوفاق والتعاون ومن الأهمية بمكان دراسة هذا التحول الضخم في تلك العلاقات والوقوف على الأسباب والعوامل التي أدت الى هذا التحول الضخم في تلك العلاقات وما صلت إليه.
ثالثاً: التطور الإيجابي والملموس في العلاقات العمانية اليمنية يعد نموذجاً طيباً يحتذى في العلاقات الثنائية بين الدول العربية، ومن الأهمية بمكان علمياً وسياسياً دراسة مثل هذا النموذج الإيجابي في العلاقات العربية حتى يمكن الاستفادة منه بالنسبة لمجمل العلاقات العربية خاصة في وقت تحتاج فيه الأمة العربية إلى استجماع كل قواها لمواجهة التحديات المحيطة بها.
رابعاً: إن دراسة العلاقات العمانية اليمنية وتطورها من شأنه أن يسهم في إلقاء المزيد من الضوء على مستقبل هذه العلاقات والمدى الذي يمكن أن تصل إليه خاصة وإن الجمهورية اليمنية تسعى إلى دخول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وسيكون للعلاقات العمانية اليمنية أثر مهم في هذا المجال بالضرورة في المرحلة القادمة.
وفي الوقت الذي تعد فيه دراسة مرحلة مهمة ومؤثرة في العلاقات العمانية اليمنية – كالمرحلة موضوع الدراسة – هدفاً في حد ذاته وذلك للتعرف على ومتابعة التطورات التي مرت بها هذه العلاقات وكيف بدأت ونمت هذه التطورات وأثرت في مجرى هذه العلاقات وتفاعلها حتى الانتقال بها من حالة التوتر والصدام إلى حالة الهدوء والتوافق والثقة المتبادلة والتعاون، وتوقيع اتفاقية الحدود بين البلدين عام 1992، فإن من أبرز أهداف الدراسة السعي إلى تحديد العوامل المؤثرة في هذه العلاقات وتحديداً العوامل المحلية على كلا الجانبين ونعني بذلك العوامل ذات الصلة بالقيادة وسياسات الدولة وأوضاعها الداخلية والسمات التي تجمع الشعبين الجارين ودور الملاحة والتجارة والهجرة في العلاقات بين البلدين وفي نشر الإسلام وفي تعريفهم بالعالم الخارجي.
وكذلك أثر العوامل الإقليمية أي أثر المحيط الإقليمي والقوى الإقليمية المؤثرة وعلاقاتها بالطرفين ، إلى جانب العوامل الدولية ذات الصلة بذلك خاصة وأن مرحلة الدراسة (1967- 1994) هي من المراحل التي شهدت صراعاً وتنافساً دولياً حاداً بين مختلف القوى الدولية خلال الحرب الباردة وفي أعقابها في منطقة الخليج العربي وذلك بحكم الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لمنطقة الخليج العربي. وهذه العوامل – الإقليمية والدولية – كان لها تأثيراتها وانعكاساتها كذلك على العلاقات العمانية اليمنية وتطورها.
ومن المفيد سواء لأغراض البحث العلمي أو للعلاقات العربية بوجه عام إظهار هذه العوامل ومحاولة التعرف على مدى آثارها وكيفية انعكاسها على العلاقات بين الأشقاء.
من جانب آخر فإنه في ضوء تطور العلاقات العمانية اليمنية فإن من الأهداف التي تحملها هذه الدراسة هي إظهار أهمية وفائدة إتباع الأساليب السياسية والحوار في فض الخلافات بين الدول العربية والانطلاق من قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" لتجاوز المشكلات والخلافات والتوصل إلى حلول على أساس من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية والاهتمام بالتعاون والمصالح المشتركة والمتبادلة لصالح الدولتين والشعبين الشقيقين.
* احمد بن سالم باتميرة
* الباحث مع اللجنة
منقول من جريدة الوطن
المفضلات