السلام عليكم
يظن الناس أن حب الأخوة في الله .. هو أمر فعله هيّن ..
أو هو أمر لفظي معزول عن العقل ..
والحب الإٍسلامي - إن صح التعبير - مقرون بالإيمان وليس بما يبادلك الآخرين من مشاعر وإن كانت صادقة..
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
وفي هذا الحديث ..
نرى قوله (لا يؤمن أحدكم) الذي فيه نفي لكمال الإيمان ونهايته ..
والمراد لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان وكماله حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير ..
كما هو مفسر في رواية أحمد (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير).
ونفي الإيمان على مراتب:
1. نفي لأصل الإيمان لانتفاء بعض أركانه كقوله تعالى: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
2. نفي لكمال الإيمان الواجب لانتفاء بعض واجباته كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) متفق عليه.
3. نفي لكمال الإيمان المستحب لانتفاء بعض مستحباته كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
فما معنى أن تحب أخيك في الله ؟!
هو أن تحب له ما تحب لنفسك ..
وتكره له ما تكره لنفسك ..
فتأتيه بما تحب أن تؤتى به ..
وتمنع عنه ما تحب أن يمنع عنك من الأذى..
وتنصح له وتجتهد في أداء حقوقه واحترامه وتقديره والنظر في مصالحه. ..
وأعظم ذلك إن رأى نقصا في دين أخيه اجتهد في إصلاحه...
قال بعض السلف
(أهل المحبة لله نظروا بنور الله وعطفوا على أهل معاصي الله
مقتوا أعمالهم وعطفوا عليهم ليزيلوهم بالمواعظ عن فعالهم وأشفقوا على أبدانهم من النار).
فمن تحلى بهذه الخصلة العظيمة ..
كان مستحقا لدخول الجنة. ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..
(من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر
ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه)
وإنما يقدر على هذه الخصلة ويقوى عليها ...من رزق سلامة الصدر
وكان قلبه خاليا من الغل والغش والحسد ..
فمن كان كذلك ...سره ما سر أخاه وساءه ما ساء أخاه...
أما من كان يحمل في قلبه الغل فإنه يمنع من هذا الخير لمنافاته لما في قلبه من السوء..
لأنه يحب أن يمتاز عن الناس بفضائله وينفرد بها عنهم والإيمان يقتضي خلاف ذلك..
وهو أن يشركه المؤمنون كلهم فيما أعطاه الله من الخير غير أن ينقص منه شيء..
وقد مدح الله في كتابه من لا يريد العلو في الأرض فقال سبحانه:
( تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
كما أن محبة الخير للغير لا تنافي أن يكره المرء أن يفوقه أحد في الخصال..
فلا يذم ولا يأثم من كره ذلك..
فقد أخرج أحمد من حديث ابن مسعود قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعنده مالك الرهاوي فأدركته وهو يقول يا رسول الله قد قسم لي من الجمال ما ترى فما أحب أحدا من الناس فضلني بشراكين فما فوقهما أليس ذلك هو من البغي فقال: (لا ليس ذلك بالبغي ولكن البغي من بطر أو قال سفه الحق وغمص الناس).
بمعنى .. أنه إذا فعل ذلك من باب الكبر والفخر على الناس فهذا مذموم قد نهى عنه الشرع ..
وعليه تحمل آثار السلف وهو مناف لمحبة الخير للمسلمين.
ولقد كان السلف الصالح رحمهم الله يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم وينصحون لهم ..
وهذا يدل على تجردهم عن حظوظ أنفسهم وصدقهم وكمال إخلاصهم ..
وحرصهم على إعلاء كلمة الله ونصرة دينه وخوفهم من العلو في الأرض.
(كان عطاء بن واسع يبيع حمارا له فقال له رجل أترضاه لي قال لو رضيته لم أبعه)
وقال ابن عباس: (إني لأمر على الآية من كتاب الله فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم).
(وكان عتبة الغلام إذا أراد أن يفطر يقول لبعض إخوانه المطلعين على أعماله
أخرج لي ماء أو تمرات أفطر عليها ليكون لك مثل أجري).
وقد قل العمل بهذا الخلق الكريم في الناس اليوم ..
فتصور البعض أن الحب في الله معزول عن الخلق الحسن ..
ولأني أحب فلانا في الله فعليه تحمل سوء طبعي ..
ولأني أحب فلانا في الله فعليه أن يتحمل استغلالي له ..
ولأني أحب فلانا في الله فعليه أن لايرفض لي طلبا .. !
ولأني أحب فلانا في الله فعليه أن يوافقني في كل ما أعتقده ..
لا ..
الحب في الله .. هو أن تحبه لشخصه دون منفعة ولا مخالفة اعتقاد ..
تحبه لأنه مسلم .. وهذا يكفيك .. وإن كان لايكفيه ..
http://www.saaid.net/Doat/binbulihed/56.htm
المفضلات