إخوتي في الله : هذا العنوان " اتباع سبيل المؤمنين " موضوع عظيم , موضوع افترق فيه الناس ؛ فريق في الجنة وفريق في السعير , موضوع انقسم فيه الناس إلى مُفْرِطين و مُفَرِّطين ووسط , موضوع يَسِيٌر على من يسره الله عليه , ولكنه عظيم وكبير وثقيل على من حاد عن الطريق الموصِل إليه , والسبيل الذي يجعلك تصل إليه , سبيل المؤمنين هو الطريق الذي من تمسك به نجا ومن حاد عنه هلك ؛ إنه الذي نردد ما يتعلق به في كل يوم في صلواتنا في سورة الفاتحة " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ " أي طريق الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقا , بعيداً عن طريق المُفَرِّطين اليهود ومن شابههم وقلدهم من مبتدعة هذه الأمة , والمُفَرِّطين في جنب الله ؛ والمقَُصِّرين في حق الله تبارك وتعالى وبين المُفْرِطين النصارى ومن شابههم في أعمالهم كبعض مبتدعة هذه الأمة من المتصوفة وغلاة المبتدعة وعَبَدَةِ القبور والمتعلقين بالصالحين والأولياء والمجانبين لمنهج أهل السنة والجماعة في أبواب العقيدة كباب الإيمان وأسماء الإيمان والدين والأسماء والصفات والسلوك والعبادة والقدر وغير ذلك من مسائل الدين التي انقسم فيها الناس إلى هذه الأقسام المشار إليها من إفراط وتفريط ووسط .
إن سبيل المؤمنين هو الذي قال الله فيه " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[1] " ولذلك فسر النبي صلى الله عليه و سلم كما ثبت من حديث عبد الله ابن مسعود t قال : "خط رسول الله صلى الله عليه و سلم خطا مستقيما ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطا , فقال هذا سبيل الله وأشار إلى الخط الذي في الوسط , وتلك هي السبل وعلى كل سبيل شيطان يدعو إليه ". ذلكم السبيل هو الذي قال الله تبارك وتعالى فيه " وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [2] " . ذالكم السبيل هو السبيل الذي بينه الله تبارك بقوله : "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [3] " . ذلكم السبيل هو الطريق السوي والمنهج القويم الذي أمرنا الله بسلوكه حين قال " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [4] " . ذلكم السبيل هو الذي وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله " وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [5] " . هذا السبيل هو السبيل الذي أمر الله تعالى بسلوكه حين قال " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [6] ". إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي أوضح الله فيها هذا السبيل وأقام الدليل لمن أراد أن يسير على هذا السبيل القويم وَفْقَ هَدْيِ رسول الله صلى الله عليه و سلم . وأما الأحاديث التي وضح النبي صلى الله عليه و سلم هذا السبيل فمنها قوله صلى الله عليه و سلم في أكثر خطبه ؛ في خطبة الحاجة " ألا إن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " وقال فيه عليه الصلاة والسلام : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجد " وقال فيه عليه الصلاة والسلام : " إن هذا الدين يُسْرٌ ولن يُشَاد َّهذا الدين أحد إلا غلبه , فسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة " , ومما جاء فيه أيضا قول النبي صلى الله عليه و سلم : " إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا : يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ويسخط لكم قِيلًا وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " . ذلكم السبيل هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه و سلم " إن الحلال بَيِّن وإن الحرام بَيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ؛ فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " . من خلال ما تقدم من النصوص أيها الإخوة أو لعلي أذكر بعض آثار السلف قبل أن أتطرق إلى بعض النقاط التي تستخلص مما تقدم , يقول عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم " ويقول عمر ابن عبد العزيز رحمه الله تعالى :" سن رسول الله صلى الله عليه و سلم وولاة الأمر من بعده سُنَنًا الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها و لا النظر في شيء خالفها ؛ من استنصر بها فهو منصور ومن اهتدى بها فهو مهتدٍ ومن بدلها أو طلب الهدى من غيرها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم و ساءت مصيرا " أو كما قال رحمه الله تعالى , ويقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه " عليكم بالعتيق " أي بما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه , ويقول بعض السلف " اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة " أو كما قالوا رحمهم الله " اقتصاد في سنة " يعني تَوَقُّفٌ في اتباع السنة وتَمَسُّكٌ بها خير من اجتهاد في بدعة تُبْنى على غير هدي النبي الله صلى الله عليه و سلم , وما أكثر نصوص السلف في هذا الباب.
للشيخ صالح بن سعد السحيمي
http://www.alsoheemy.net/play.php?catsmktba=1903
المفضلات