وضعت الولايات المتحدة الأمريكية في الرابع من الشهر الجاري اسم حركة جند الله وهي حركة بلوشية تطالب بالحقوق القومية والدينية للشعب البلوشستاني والسنة عامة في إيران، على قائمة المنظمات المتهمة أمريكيا بالإرهاب وذلك بحجة ان الحركة نفذت هجمات مسلحة ضد أهداف حكومية إيرانية أودت بحياة مدنيين . وهذا القرار الذي اعتبرته جندالله مجحفا بحقها، اعتبرته جماعات وناشطون من الأقليات القومية والدينية في إيران، انه يعد أمرا مؤسفا ومفاجئا وجاء خلافا لتوقعاتها كونه صدر من قبل دولة هي أكثر الدول حديثا عن حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق الأقليات المضطهدة في العالم . بينما رحبت الحكومة الإيرانية، التي تضع نفسها في خانة العداء لأمريكا، بهذا القرار واعتبرته " خطوة في الطريق الصحيح " على حد تعبير الناطق باسم خارجيتها .
وعلى الرغم من عدم وجود تعريف محدد من قبل الأمم المتحدة لمفهوم الإرهاب وإرهاب الدول، إلا ان كلمة " الإرهاب " التي أصبحت اليوم أكثر كلمة تستخدم في الخطب والمصطلحات السياسية، لم يأتي استخدامها بهذا الكثرة من فراغ فما هو مؤكد ان لهذا الاستخدام أهداف وغايات سياسية بعيدة عن التعريف الواقعي للإرهاب . ولعل قرار الإدارة الأمريكية بشأن درج حركة " جندالله " في قائمة الإرهاب لا يخلو حسب رأي المراقبين من أهداف سياسية بعيدة عن واقع عما إذا كان مفهوم" الإرهاب " ينطبق على هذه الحركة ام لا . فكما هو معروف عن حركة جندالله انها لم تنفذ اي عمل مسلح خارج الأراضي الإيرانية، وان جميع عملياتها وبشهادة البيانات المعلنة من قبل السلطات الحكومية، كانت داخل حدود بلوشستان، كما انها لم تستهدف ضمن هذه الحدود أي جهة أخرى غير إيرانية. وهذا ماهو معلن عن الحركة والذي لم يعلن خلافه من قبل السلطات الحكومية أيضا .
وحول إذا ما كانت الحركة التي تتبنى الفكر الإسلامي، على صلة بجماعات أصولية متهمة بالإرهاب كتنظيم " القاعدة " او حركة " طالبان " او غيرها من الحركات الأصولية الأخرى، فان جندالله قد نفت مرارا وتكرارا صلتها بهذه الجماعات ولم تتمكن السلطات الإيرانية التي اعتقلت زعيم الحركة السابق " عبدالمالك ريغي " ومارست ضده أبشع أنواع التعذيب من اجل انتزاع اعترافات منه حول علاقته بالحركات والدول الأجنبية قبل إعدامه في حزيران الماضي، لم تدعى وجود مثل هذه العلاقة بين جندالله والحركات الأصولية المتهمة بالإرهاب، ولكن السلطات الإيرانية زعمت ان عبدالمالك ريغي اعترف بوجود علاقة لحركته بالمخابرات الأمريكية وتلقي الدعم منها، وهو ما نفته جندالله جملة وتفصيلا ونفته الولايات المتحدة الأمريكية كذلك .
أذن اتهام واشنطن لحركة جندالله بالإرهاب يضع الإدارة الأمريكية في حالة تناقض كبير، فكيف للإدارة الأمريكية ان تصدق المزاعم الإيرانية باتهام جندالله بممارسة " الإرهاب " وتصدر بحق الحركة قرارا بضمها لقائمة المنظمات الإرهابية وبذات الوقت تكذب المزاعم الإيرانية القائلة بدعم لواشنطن لجندالله؟. ثم على فرض ان العمليات المسلحة التي شنتها جندالله ضد السلطات الإيرانية أدى بعضها الى سقوط ضحايا مدنيين كما يدعى نظام الملالي، فهل هذا مبررا كافيا لكي تقوم الإدارة الأمريكية وبدون أي مقدمات الى درج اسم حركة جندالله التي حملت على عاتقها مواجهة أعتى الأنظمة الداعمة للإرهاب في العالم، على قائمة الإرهاب ؟، رغم ان للولايات المتحدة الأمريكية تجربة كبيرة في موضوع ضحايا العمليات العسكرية التي شنتها وماتزال تشنها في أفغانستان والعراق وباكستان، ومن قبل في يوغسلافيا السابقة وقبلها أيضا في فيتنام وغيرها . وهي تعلم ان كثيرا ما تحدث بعض الأخطاء في العمليات المسلحة التي يسقط فيها مدنيون ولكن من دون سابق قصد باستهدافهم .
كما يجب ان لا يغيب عن بال اللوبي الايراني في أمريكا الذي يقف وراء قرار الإدارة الأمريكية بدرج جندالله في قائمة الإرهاب، ان هذه الإدارة تتحالف اليوم مع الكثير من الحركات والجماعات التي ارتكبت أعمال إرهابية حقيقية، لاسيما في العراق حيث ان اغلب الجماعات التي تدير اليوم العملية السياسية في العراق هي من الجماعات التي مارست الإرهاب في داخل العراق وخارجه لسنوات عديدة ومثال ذلك " حزب الدعوة" الذي يرأس زعيهم الحكومة العراقية حاليا، فقد ارتكب هذا الحزب جريمة تفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1983م ومحاولة اغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح في عام 1985م، وغيرها من العمليات الإرهابية الأخرى التي راح ضحيتها المئات من المدنيين الأبرياء. وهناك أيضا جماعات مثل "منظمة بدر" الأصولية وجماعات كردية، جميعها مارست الإرهاب بكل أشكاله ولكن مع ذلك تغاضت الإدارة الأمريكية عن جرائم تلك الجماعات وعقدت معها تحالف استراتيجي وسلمت مصير العراق بيدها .
وبعيدا عن موضوع حركة جندالله التي يوجد من يؤيدها ومن يخالف أسلوبها الذي تمارسه لتحقيق مطالبها المشروعة، فان القرار الأمريكي كان يجب ان يشمل النظام الايراني اولا قبل غيره . فهذا النظام هو الوحيد من بين أنظمة العالم الذي تم درج أسماء العديد من كبار قادته على قائمة المطلوبين للشرطة الدولية " الانتربول " بتهمة دعم وارتكاب جرائم إرهابية في الأرجنتين وألمانيا وغيرها، وان هذا القرار قد ظلم الحمل وشجع الذئب على ارتكاب مزيدا من الافتراس، حيث ان قرار ضم حركة جندالله في قائمة المنظمات الإرهابية وفي هذا الوقت تحديدا الذي تشهد فيه إيران أعلى موجات القمع والاضطهاد وسلب الحريات وانتهاك الحقوق الإنسانية من قبل أكثر الأنظمة دعما للإرهاب، ويعد تشجيعا لهذا النظام على مواصلة سياساته القائمة والتي أضرت بالولايات المتحدة قبل غيرها حيث كثيرا ما شكت الإدارة الأمريكية من المشاكل التي تسببها لها التدخلات الإيرانية في أفغانستان والعراق وقد أودت تلك التدخلات الى سقوط ضحايا أمريكيين في كل البلدين، ناهيك عن التدخلات الإيرانية في لبنان وفلسطين والتي تسببت لحد الآن في عرقلت الجهود الأمريكية لإحلال السلام في المنطقة .
الرابطة العراقية
المفضلات