إذا أردنا أن نصف إنسانا بالرقة , نقول إنه كالفراشة , وإذا أردنا أن نصف شيئا بجمال الألوان , نقول أنه كالفراشة , وإذا أردنا أن نصف إنسانا بالطيش , فإننا نقول أنه أكثر طيشا من الفراشة !
هذه هي الفراشة التي يضرب بها المثل في الرقة والجمال والطيش أيضا .
رغم أن الفراشة رقيقة جميلة , فإن بعض أنواعها تعيش في الغابات , وبعضها يعيش في الحقول والبعض يعيش على قمم الجبال الباردة , وبعضها يعيش في الصحاري الحارة , وكأنها لمسة جمالية زين الله تعالى بها هذه الأماكن المختلفة .
تبدو الفراشة بين الزهور وكأنها زهرة , نراها بألوان الزهور التي حطت عليها , حتى إذا اقتربنا منها تطير فجأة , فيشعر من يراها وكأن الزهرة طارت تاركة غصنها , شأنها في ذلك شأن بعض الحيوانات والطيور التي يمكن أن تتلون لأسباب عدة .
تتلون للتمويه , كي يمكنها الاختفاء في المكان الذي تحط فيه , وهي بذلك تحمي نفسها من الأعداء الذين يشكلون خطرا عليها , وتتلون أحيانا كيف تختفي من فريستها , كي تحتال عليها أملا في الإيقاع بها , كما يحدث من بعض الحيوانات الصيادة , كما أنها تتلون أيضا للتحذير, أو لتكون أكثر جاذبية أملا في التآلف والمودة .
الفراشة تندفع بطيش نحو الضوء , بل وتلقي بنفسها في النار فتتعرض للهلاك , لذا فقد ضربت بها العرب المثل في الطيش , فقالت :إن فلانا أطيش من فراشة .
شبه رسول الله صل الله عليه وسلم , الناس في تهافتهم على المعاصي وإقبالهم عليها بالفراش المندفع نحو النار , وقال صل الله عليه وسلم : ( إنما مثلي و مثل الناس ,كمثل رجل استوقد نارا , فلما أضاءت ما حوله , جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها , فجعل الرجل يزعهن ويغلبنه ويغلبه فيقتحمن فيها , فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها ) .
معنى يزعهن :أي يدفعهن كي لا يقعن في النار , ولكن الفراش يغلبنه فيقتحمن النار , أي يدخلن فيها , ومعنى : (فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها )أي أن رسول الله صل الله عليه وسلم يمسك بالناس كي لا يقعوا في المعاصي المؤدية إلى النار بفعلهم المعاصي , الحجز : حجم حجزة , وهي في الإزار( معقد الإزار ) وهي في السروال موضع ( التكة ) أي رباط السروال .
هذا تشبيه يوضح المعنى , حيث شبه رسول الله صل الله وسلم ,تهافت أصحاب الشهوات , واندفاعهم نحو المعاصي , التي تكون سببا في وقوعهم في النار , شبههم بتهافت الفراش , واندفاعها نحو النار , والوقوع فيها .
في ذلك إشارة أن الإنسان تهوى نفسه الحظ العاجل والمتعة العاجلة , مهما كانت نتائجها , حيث يرغب فيها أكثر من الحظ أو المتعة الآجلة, حتى لو كانت أعظم , فهل يرضى أحدنا لنفسه أن يكون طائشا كالفراشة ؟
المفضلات