معنىٰ قولهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « ومَا أنتَ أعلمُ به منِّي »
سُئِلَ الإمام الفقيه / عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ ـ: في حديثٍ لرسُول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي التَّحيَّات، يقول: قُولوا فِي آخرها: (اللَّهُمَّ! اِغْفِر لِي مَا قدَّمْتَ ومَا أخَّرتَ، ومَا أسْرَرتَ، ومَا أعْلَنْتَ، ومَا أسْرَفتَ، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ الْمُقَدِّم وأنْتَ الْمُؤخِّر، لَا إلـٰهَ إلَّا أنْتَ).
أخونا يقول: أنا أعلم ذنُوبي ما قدَّمت وما أخَّرت بصورةٍ عامَّة، وما أعلنتُ، وما أسررتُ، وما أسرفت، ولـٰكن لا أعرفُ قصد الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قولهِ: « وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي »،
وجِّهُوني وصحِّحُوا مفاهيمي؟ جَزَاكُمُ اللهُ خَيْرًا.
فأجابَ بقوله: هٰذا الحديث صحيح، رواه مسلم فِي « صحيحه » مِنْ حديث عليٍّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ، والمعنىٰ واضح؛ لأنَّ الإنسان مهما بلغ مِنَ العلم والذِّكر والفطنة تفوته أشياء، وينسى أشياء، ويجهل
أشياء، والله يعلمها ـ سُبْحَانَهُ ـ لا تخفىٰ عليه خافية جَلَّ وَعَلَا، والمؤمن يدعو بهٰذا الدُّعاء الجامع، فإنَّهُ يشمل ما علمه العبد، وما لم يعلمه « وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي » حتَّىٰ يكون دعاؤه شاملاً لجميع سيئاته الَّتي علمها، والَّتي لم يعلمها، فقد يكون اِغْتاب أحدًا ونسي، وقد يكون تكاسل عَنْ صلاةٍ ونسي، وقد يكون كذب في معاملةٍ ونسي، وقد يكون خانَ في أمانةٍ ونسي. وقول السَّائل: أنَّهُ يعلم ذنوبه ليس بصحيح، فإنَّ الإنسان محل النِّسيان والجهل، ومع طول الزَّمان ينسى كثيراً،فقولهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي » كلامٌ محكمٌ عظيمٌ؛ لأنَّ العبد محل النِّسيان ومحل الجهل ، مهما بلغ حفظه ومهما بلغ ذكاؤه، فإنَّهُ يفوته أشياء مِنْ سيئاته وأخطائه وينساها، وقد يجهلها أيضاً، وقد يحسب أنَّها حقٌّ، وقد يحسب أنَّها هدىً، وليست كذٰلك.
فالحديث يشمل هذا كله، يشمل ما أخطأ فيه يحسب أنه حق وهو معصية، ويشمل ما فعله من الذُّنوب
وقد نسيه بسبب مشاغله، أو قدم العهد، فالأمر واضح.وقولك: أنَّك تعلم سيِّئاتك ليس بصحيح، قد يفوتك أشياء تنساها، وأشياء تجهلها، وأنت فِي أيَّامك
ولياليك تعمل وتكدح، وتتكلَّم ومَنْ يُحصي كلامك وأفعالك إلَّا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، وكم مِنْ زلةٍ تزلُّ بها علىٰ زوجتك ؟، وعلىٰ ولدك ، وعلىٰ أهل بيتك، وعلىٰ خادمك ؟،
وكم مِنْ زلَّةٍ تزلُّ بها علىٰ جيرانك وجلسائك ؟، وكم مِنْ زلَّةٍ تزلُّ بها على النَّاس فِي عرض الحديث مِنْ غيبةٍ ونميمةٍ وغير ذٰلك؟
وكم مِنْ مُعصيةٍ تفعلها وأنتَ لا تشعر أو تنساها، فيما يتعلَّق بالصَّلاة أو الزكاة أو الصِّيام أو الحجِّ أو برِّ الوالديْن أو صلة الرَّحم أو حقِّ الجار أو غير ذٰلك.اهـ.
« فتاوى نورٌ على الدَّرب »
المفضلات