هموم السيئات...وبركة الحسنات
كل شيء خلق الله تعالى في الدنيا فهو أنموذج في الآخرة و كل شيء يجري فيها أنموذج ما يجري في االآخرة .
فأما المخلوق منها فقال ابن عباس رضي الله عنهما : [ ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء .
وهذا لأن الله تعالى شوق بنعيم إلى نعيم، و خوف بعذاب من عذاب .
فأما ما يجري في الدنيا فكل ظالم معاقب في العاجل على ظلمه قبل الآجل ، و كذلك كل مذهب ذنباً ،
وهو معنى قوله تعالى : من يعمل سوءاً يجز به.
و ربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله فظن أن لا عقوبة ، و غفلة عما عوقبت به عقوبة .
و قد قال الحكماء : المعصية ،بعد المعصية عقاب المعصية و الحسنة بعد الحسنه ثواب الحسنه .
و ربما كان العقاب العاجل معنوياً كما قال بعض أحبار بني إسرائيل : [ يا رب كم أعصيك و لا تعاقبني ؟ ] فقيل له : [ كم أعاقبك وأنت لا تدري أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي ؟ ] .
فمن تأمل هذا الجنس من المعاقبة وجده بالمرصاد ،
حتى قال وهب بن الورد و قد سئل : أيجد لذة الطاعة من يعصي ؟ فقال : و لا من هم .
فرب شخص أطلق بصره فحرمه الله اعتباربصيرته
أو لسانه فحرم صفاء قلبه ،
أو آثر شبهة في مطعمه فأظلم سره ،
وحرم قيام الليل وحلاوة المناجاة ،
إلى غير ذلك .
و هذا أمر يعرفه أهل محاسبة النفس
وعلى ضده يجد من يتقي الله تعالى من حسن الجزاء على التقوى عاجلاً ،
كمافي حديث أبي أمامة : عن النبي صلى الله عليه و سلم يقول الله تعالى : النظرة إلى المرأة سهم مسموم من سهام الشيطان ، من تركه ابتغاء مرضاتي آتيته إيماناً يجد حلاوته في قلبه.
فهذه نبذة من هذا الجنس تنبه علىمغفلها
.
فأما المقابلة الصريحة في الظاهر فقل أن تحتبس ،
و من ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم : الصبحة تمنع الرزق ، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
و قد روى المفسرون : أن كل شخص من الأسباط جاءباثني عشر ولداً ، و جاء يوسف بأحد عشر بالهمة ، و مثل هذا إذا تأمله ذو بصيرة رأىالجزاء و فهم كما
قال الفضيل : [ إني لأعصي الله عز وجل فأعرف ذلك في خلق دابتيوجاريتي ] .
و عن أبي العثمان النيسابوري : أنه انقطع شسع نعله في مضيه إلىالجمعة فتعوق لإصلاحه ساعة ، ثم قال : [ ما انقطع إلا لأني ما اغتسلت غسل الجمعة ] .
و من عجائب الجزاء في الدنيا أنه لما امتدت أيدي الظلم من إخوة يوسف و شروه بثمن بخس امتدت أكفهم بين يديه بالطلب ، يقولون : و تصدق علينا
.
و لما صبر هو يوم الهمة ملك المرأةحلالاً ، و لما بغت عليه بدعواها :ما جزاء من أراد بأهلك سوء
أنطقها الحق بقولهاأنا راودته
.
ولو أن شخصاً ترك معصية لأجل الله تعالى لرأى ثمرة ذلك ، وكذلك إذا فعل طاعة .
و في الحديث: إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة، أي عاملوه لزيادةالأرباح العاجلة .
و لقد رأينا من سامح نفسه بما يمنع منه الشرع ، طلباًللراحة العاجلة ، انقلبت أحواله إلى التنغص العاجل ، و عكست عليه المقاصد