حاكم ظالم يهاجم امرأة من ورق !
حدث أمر عجيب عند الكعبة ، فقد كان الحجاج يطوفون حولها ، وكان بينهم رجل طويل القامة ، ضخم الجسم ، أحمر اللون ، أشقر الشعر ، يطوف وفي يده دبوس ، وهو عمود على شكل عصاً ضخمة كبيرة ، له رأس مدور أملس ، اقترب من الحجر الأسود ، فماذا فعل ؟
ضربه ثلاث ضربات بالدبوس الذي كان في يده ، وأخذ ينطق بكلمات تدل على كفره ، ثم راح يرتعد ، فابتعد عنه الناس خوفا منه ، وأيضا لأن جماعة من الفرسان كانت تقف عند الباب لحمايته ، ولكن رجلا مسلما من أهل اليمن طعنه بخنجره ، فأقبل الناس نحوه ، وتكاثروا عليه فقتلوه ، ثم انطلقوا خلف أصحابه ، الذين وقفوا لحراسته ، فطاردوهم وقتلوا بعضهم .
كان ذلك الزنديق ، من أصحاب الحاكم بن العزيز بن المعز الفاطمي ، الذي تولى أمر مصر بعد أبيه ، فعاث ابن العزيز فيها فسادا ، حتى أنه أمر الناس بالسجود له يوم الجمعة ، أصدر أمرا إلى الرعية ، بأنه إذا ذكر الخطيب اسمه على المنبر يوم الجمعة ، فعلى الناس أن يقوموا ويقفوا صفوفا ، إعظاما لذكره ، فعل ذلك في سائر الممالك التابعة له ، وأمر أهل مصر على الخصوص ، إذا قاموا عند ذكر اسمه ، سجدوا له ، بل أن الناس خارج المساجد في الأسواق من الرعاع وغيرهم ، كانوا يسجدون لسجودهم .
أصدر أمراً لليهود والنصارى بالدخول في الإسلام بالإكراه ، وكأنه لم يسمع قول الله تعالى : " لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي ) ، ثم أذن لهم بعد ذلك بالعودة إلى دينهم ، كما قام بتخريب الكنائس ، وقتل الفقهاء .
كان لا يركب إلا حماراً ، ويطوف بنفسه في الأسواق ، فإذا ضبط تاجرا متلبسا بالغش ، عاقبه عقوبة شنيعة ، كما أنه منع النساء من الخروج من منازلهن ، وقطع شجر العنب ، كي لا يتخذه الناس خمرا ، ومنع الناس من طبخ الملوخية !
أمر الناس بغلق الأسواق بالنهار ، وفتحها ليلا ، مر يوما على نجار يعمل بالنهار .
قال له : ألم أنهكم عن العمل بالنهار ؟ ولكن ذلك النجار كان خفيف الظل ، قال له : أنا لم أخالف أمرك ، ولكنني الآن سهران ! فحينما كنا نعمل بالنهار ، كنا نسهر ليلا لإنجاز ما تبقى من العمل ، أما الآن فإننا نعمل بالليل ، ونسهر بالنهار !
فتبسم الحاكم وتركه ، ثم سمح للناس بالعمل في النهار .
كان الناس يكرهونه ، ولا يستطيعون الاعتراض على ظلمه ، فكانوا يكتبون له أوراقا يشتمونه في صورة قصص ، فإذا قرأها إزداد غيظا ، حتى أن أهل مصر صنعوا تمثال امرأة من الورق وألبسوها ثيابا فبدت وكأنها حقيقة ، ثم وضعوا في يدها قصة من الشتم واللعن ، فلما رآها ظن أنها امرأة ، فأسرع نحوها ، وأخذ القصة من يدها ، ثم قرأ فغضب غضبا شديدا ، وأمر بقتل المرأة ، فلما أدرك أنها من ورق ، إزداد غيظا وانتقم من الناس أشد انتقام ، مما أدى إلى الخراب والدمار .
لم يسلم أحد من شره حتى أخته ، كان يشتمها بأغلظ الألفاظ ، ويتهمها أشنع اتهام ، حتى ضاقت به وتآمرت على قتله ، فقام أكبر أمرائه بقتله على جبل المقطم ، وبعث بجثته إلى أخته سرا ، فدفنته في دارها ، وأرسلت إلى ابنه ، فجاء من دمشق .
لقبوه بالظاهر ، فألبسته تاج جد أبيه المعز ، وأجلسته على كرسي العرش ، وبايعه الأمراء والرؤساء .
كان عمر الحاكم حين قتله كبير أمرائه ، 37 سنة ، أمضى منها في الحكم 25 سنة ، فقد تولى الحكم وهو في الثانية عشرة من عمره .